يحتمل أن تكون هذه المعاتبة التي ذكرت كانت بين الأتباع والمتبوعين من الإنس ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) كذا [سبأ : ٣٣] ، (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ...) كذا [سبأ : ٣٢] ؛ وكقوله : (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ ...) كذا [الأعراف : ٣٨].
ويشبه أن يكون بين الإنس والشياطين.
ثم قوله : (فَأَغْوَيْناكُمْ).
حين اخترتم الغواية والضلال ، أو عرفتم أنا لسنا على الهدى ولم نقم عليكم الحجة ، فاتبعتمونا على علم منكم أنا على الغواية فأغويناكم حينئذ ، والإغواء : الإضلال ، والغواية : الضلال.
وقوله : (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ).
أخبر أنهم جميعا : الأتباع ، والمتبوعون يشتركون في العذاب ، ليس أن يشتركوا في نوع من العذاب ، ولكن يجمعون جميعا ، ثم لهم العذاب على قدر عصيانهم وجرمهم.
وقوله : (إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ).
قال أبو بكر الأصم : المجرم : هو الوثاب في المعصية ، القادح فيها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ).
أي : كانوا إذا قيل لهم : قولوا : لا إله إلا الله يستكبرون.
ثم يحتمل قوله : (يَسْتَكْبِرُونَ) لا على هذه الكلمة ، ولكن يستكبرون على اتباع القائلين لهم : لا إله إلا الله ؛ كقولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ؛ وكقولهم : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) [ص : ٨] كانوا يأنفون ويستكبرون على اتباع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لذلك قالوا ما قالوا.
وجائز أن يكون ما ذكر من استكبارهم استكبارا على هذه الكلمة حقيقة ، فيخرج استكبارهم عليها ؛ إنكارا لهذه الكلمة وجحودا لها بقولهم : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : ٥] ، والله أعلم.
ويقولون : (أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ).
يشبه أن يكون على الإنكار لها ؛ لما ذكر من قولهم على أثر ذلك وهو ما قال : (أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ).
ثم جمعوا في هذا متضادين ؛ لأن الشاعر هو الذي [يبلغ] في العلم غايته ، والمجنون هو الذي يبلغ في الجهل غايته ، ثم جمعوا بينهما في رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكذلك قولهم :