(ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) الساحر هو الذي يبلغ في علم الأشياء غايته ، والجنون في الجهل ؛ دل أنهم إنما يقولون عن عناد وتعنت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ).
الحق : قال بعضهم : بالحق الذي لله عليهم وما لبعضهم على بعض ، وأصل الحق : أنه كل ما يحمد على فعله ، وكل ما يذم عليه فهو باطل.
(وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) : أخبر أنه صدق إخوانه من المرسلين ، والله أعلم.
قال أبو عوسجة والقتبي : (وَالصَّافَّاتِ) : هي الطيور التي صفت بين السماء والأرض ، (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) من الزجر يقال : زجرت الإبل زجرا إن صحت بها ؛ فهو اسم الصياح ، (فَالتَّالِياتِ) كما تقول : تلوت القرآن ، أي : قرأت ، وتلوت : تبعت ، والتالي : التابع ، والقذف والرمي (وَيُقْذَفُونَ) أي : يرمون ، و (دُحُوراً) : أي مباعدة ؛ دحرته ، أي : باعدته وطردته ، (واصِبٌ) ، أي : ذائب ، (خَطِفَ الْخَطْفَةَ) أي : استلب الشيء ، والخطفة : الاستلاب السريع ، (فَأَتْبَعَهُ) ، أي : اتبعه ، (شِهابٌ ثاقِبٌ) : الشهاب : الكوكب ، والثاقب : الشديد الضوء والحر ؛ يقال : ثقبت النار ، أي : التهبت واشتد حرها ، وأثقبتها ، أي : أوقدتها ، سخرت واستسخرت كقولهم : قر واستقر ؛ واحد ، وسخر به وسخّر به بالتشديد وسخّرت فلانا ، أي : استعملته بغير أجر ، (مُسْتَسْلِمُونَ) ، أي : قد ذلوا وأعطوا بأيديهم ؛ يقال : استسلم الرجل إذا أعطى بيده ، وأسلمته : تركته لم أعنه ولم أنصره ، (وَأَزْواجَهُمْ) : أشكالهم ، تقول العرب : زوجت ، أي : إذا قرنت واحدا بآخر ، وهم قرناؤهم من الشياطين ، (كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) ، أي : تخدعوننا وتمنعوننا عن طاعة الله ، والله أعلم. وزوج الشيء : شكله ، ويقال لضده ؛ فهو اسم لهما جميعا.
وقوله : (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ).
يحتمل ما ذكرنا : أنه على الإضمار : أنه إذا قيل لهم : قولوا : لا إله إلا الله يستكبرون.
ويحتمل وجها آخر : أنهم إذا قيل لهم : اتركوا عبادة الأصنام ، واصرفوا عبادتكم إلى الإله الذي هو في الحقيقة إله ، وهو المالك لجر النفع ولدفع الضر ، وهو الله جل وعلا ؛ ويدل لهذا قولهم : (أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) أي : نترك عبادة آلهتنا لقول شاعر مجنون ، والله أعلم.
ذكر أن نفرا من رؤساء قريش أتوا إلى أبي طالب فقالوا : ما يريد منا ابن أخيك محمد؟ فدعا به فقال : ما تريد منهم يا ابن أخي؟ فقال له : «يا عم ، إنما أريد منهم كلمة يملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم» ، وفي بعض القصة أنه قال لهم : «أريد منكم كلمة يدين لكم بها العرب ويؤدي إليكم بها العجم الجزية» ، فقالوا : وما هي؟ فقال : «لا إله إلا الله ،