الماهية ، فأجاب على الاستدلال بخلقه.
ثم قال اللعين : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) : قال بعضهم : إنما أوعده السجن ولم يوعده القتل ؛ لأنه طلب منه الحجة على ما ادعى من الرسالة حيث قال : (فَأْتِ بِهِ) الآية ، ولو قتله لكان لا يقدر على إتيانها.
وقال بعضهم : لا ، ولكن كان سجنه أشد من القتل ومن كل عقوبة.
فقال له موسى : (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) أي : ما يبين ربوبية الله وألوهيته أو ما يبين أني رسول الله ، فقال له فرعون : (فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) بالرسالة ، وبما ادّعيت ، فدل قول فرعون لموسى حيث قال له : (فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أنه قد عرف أنه رسول ، وأنه ليس بإله على ما ادعى ، وأن الإله غيره حيث طلب هذه الآية.
وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) بالآيات التي تدل على وحدانية الله تعالى ومشيئته ، ذكر هذا مقابل إنكارهم الصانع.
والإيقان : هو العلم الذي يستفاد من جهة الاستدلال ؛ ولذلك لا يقال لله : موقن.
وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) : صلة قوله : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ).
وقوله : (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) : قال بعضهم : الثعبان : هو الكبيرة العظيمة من الحيات. وقال في موضع آخر : (تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) ، وقال في موضع آخر : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) ، فجائز أن تكون كالثعبان بعد ما طرحها وألقاها ، وقبل أن يطرحها كالجان وهي الحية الصغيرة (١) ، والله أعلم.
وقوله : (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) : بياضا خارجا عن خلقة البشرية ، وخارجا عن الآفة على ما ذكر في آية أخرى : (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) [النمل : ١٢].
وقوله : (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ. يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) : هذا منه إغراء وتحريش منه لقومه على موسى ؛ لئلا ينظروا إليه بعين التعظيم ؛ لعظيم ما أتاهم من الآية وأراهم ، حيث قال : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) ، وموسى كان لم يرد إخراجهم من أرضهم ، ولكن ذلك إغراء منه لهم عليه ؛ لئلا يتبعوه ؛ كأنه يقول : يريد أن
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : ولا يتصور في حالة واحدة أن يكون الشيء الواحد على هذه الأحوال ، هذا إشكال ثم الانفصال عنه : قال بعضهم : إنما وصفها بهذه الأوصاف ، وسماها بهذه الأسامي ، لمثابة له ، فكلها في شيء خاص ؛ لأنه يكون لها عظم الثعبان ولدغة الحية ودقة الجان ، وإطلاق الاسم جائز باعتبار المشابهة في وصف يعرف به المسمى. والثاني : جائز أن تكون كالجان في يد موسى ـ عليهالسلام ـ قبل أن يطرحها ، حتى يمكّن هو من أخذها ، وإذا طرحها وألقاها تصير كالثعبان ، والحية : اسم جنس لها يدخل تحته الصغيرة والكبيرة ، والله أعلم. شرح.