ويحتمل أن يكون للكثير الذي لا يحسب ولا يعد ؛ لكثرته هو في نفسه معلوم محدود.
أو أن يريد بالمعلوم : أنه صار ما وعدوا في الدنيا لهم في الآخرة معلوما معروفا عند الوصول إليه كان ذلك لهم موعودا ، فإذا وصلوا إليه ، صار معلوما محدودا.
وقوله : (فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ).
أي : معظمون مشرفون.
وقوله : (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ. يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ).
يخبر أن لهم في الجنة ما يستحبون ويختارون في الدنيا من الجلوس على السرر على المواجهة والمقابلة والشرب على ذلك ، والكأس : قيل : كل إناء أو قدح فيه شراب فهو كأس.
وقوله : (بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ).
المعين قال بعضهم (١) : هو الجاري ، وكأنه يخبر أن خمور أهل الجنة تجري في الأنهار ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) [محمد : ١٥].
وقال بعضهم : المعين : هو الظاهر الذي يقع البصر عليه ؛ كقوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) [الملك : ٣٠] أي : ظاهر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ).
ذكر أن خمورهم في الآخرة بيضاء ؛ لأن البياض يظهر كل ما فيه من الأذى والآفة ويرى ، فأما في غيره من الألوان فإنه قلما يظهر وقلما يرى إلا يجهد ، أو ذكر أنها بيضاء لأن البيضاء من الألوان المستحسن الطباع كلها ؛ وهو المختار عندنا.
قال الزجاج : إن الخمر لذة للنفس الروحانية لا للجسدانية ؛ ألا ترى أن الخمر يشربها الناس وتظهر كراهة ذلك في وجوههم من العبوسة وغيرها ، ثم مع هذا يعودون ويشربون دل أنها لذة لا لهذه النفس الجسدانية ، ولكن للنفس الروحانية أو كلام نحوه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ).
و (يُنْزَفُونَ) بنصب الياء وكسر الزاء ، ورفعها ونصب الزاء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا فِيها غَوْلٌ) أي : لا آفة ولا صد ولا أذى ، (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) من قرأها (يُنْزَفُونَ) برفع الياء ونصب الزاء يقول : لا تنزف (٢) الخمر
__________________
(١) أخرجه أحمد (١ / ٢٢٧ ، ٢٢٨) ، والترمذي (٥ / ٢٨١ ، ٢٨٢) ، كتاب التفسير : باب «ومن سورة ص» (٣٢٣٢) ، وأبو يعلى (٢٥٨٣) ، والحاكم (٢ / ٤٣٢) ، والبيهقي (٩ / ١٨٨).
(٢) في أ : ينزفون.