عقولهم ، أي : لا تذهب بها ، أي : لا يسكرون كما يسكر بشرب خمور الدنيا. ومن قرأها (يُنْزَفُونَ) أي يعني شرابهم.
وتأويل هذا الكلام : أن أهل الدنيا إذا أخذوا في الشراب لا يتركون شربهم إلا لإحدى الخلتين : إما لذهاب عقولهم وذلك عند شدة سكرهم ، وإما لفناء الشراب ، لإحدى هاتين الخلتين يتركون شربهم ، فيخبر أن أهل الجنة لا يذهب عقولهم الخمر ولا يفنون شرابهم ، ولا كان فيها آفة ولا ضرر ، والله أعلم.
قال أبو عوسجة : طاهر لا تحرك ، ويقال : الجاري ، (لا فِيها غَوْلٌ) أي : سكر ولا ضرر ، ولا يكون الاغتيال إلا من الخديعة والقتل في الأولاد ، [و] هي أن ترضع المرأة ولدها وفي بطنها آخر ، والغلول : التلوّن ، وكذلك سميت الغول غولا ؛ لأنها تتلوّن ، والغيلان : جميع ، (يُنْزَفُونَ) قال : النزيف : السكران.
وقال القتبي : (لا فِيها غَوْلٌ) أي : لا تغتال عقولهم فيذهب بها ، يقال : الخمر غول للحلم ، والحرب غول للنفوس ، والغول : العدو ، (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) أي : لا يذهب خمرهم وينقطع و [لا] يذهب عقولهم ، والخمر التي جعلها الله لأهل الجنة في الآخرة هي للذي لم يشربها في الدنيا ولم يتناول منها ولا تلذذ بها ، والله أعلم.
وقيل (١) : (لا فِيها غَوْلٌ) ، أي : غائلة لها ، أي : الصداع ، أي : لا يتجع منها الرأس ، (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) أي : لا يسكرون بنزف عقولهم فتذهب.
وفي قوله : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) بنصب اللام دلالة : أنه قد كان من الله ـ جل وعلا ـ لطف به استوجبوا الإخلاص والخصوصية ، وهو ينقض على المعتزلة قولهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قاصِراتُ الطَّرْفِ).
أي : لا ينظرن إلى غير أزواجهن ، جبل الله ـ عزوجل ـ البشر على الغيرة ، ولا يستحب الرجال أن ينظر أزواجهم إلى غيرهم ، ولا النساء أن ينظر أزواجهن إلى غيرهن ، فأخبر ـ عزوجل ـ عن أزواجهم في الجنة : أنهن لا ينظرن إلى غير أزواجهن ؛ حبّا لأزواجهن وطلبا لمرضاتهم ، والله أعلم.
وقوله : (عِينٌ).
قال بعضهم (٢) : واسعات العيون في الجمال ؛ لأن السعة في العين إذا جاوز الحد
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٩٣٤٣) وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٥١٦) ، وهو قول الضحاك أيضا.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٩٣٤٨) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٥١٧).