لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ)(٩٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ).
أي : إبراهيم ـ عليهالسلام ـ من شيعة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم يقول على دينه ومنهاجه.
وقال بعضهم (١) : من شيعة نوح ، أي : إبراهيم من شيعة نوح ـ عليهماالسلام ـ على ما تقدم ذكر نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ حيث قال : (نادانا نُوحٌ ...) إلى آخر ذلك أن إبراهيم من شيعته على دينه ومنهاجه.
وقيل : لذكرها (٢) (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) : عن جميع ما يمنعه من الإجابة لربه فيما دعاه ، والصبر على ما امتحنه وابتلاه ، والله أعلم.
وعلى ذلك سماه الله ـ عزوجل ـ في كتابه الكريم : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم : ٣٧] جميع ما أمر به وامتحن به ، والله أعلم.
وجائز أن يكون ذلك في الآخرة يقول : (جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [البقرة : ١٣٠] أخبر أنه في الآخرة يكون من الصالحين وذلك سلامة قلبه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ* أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ).
قد اختلف سؤال إبراهيم ـ صلوات الله عليه ـ بقوله مرة : قال لهم (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) [الأنبياء : ٥٢] ، ومرة قال : (ما ذا تَعْبُدُونَ) ، ثم ذكر في غير هذا الموضع إجابتهم إياه حيث قالوا : (نَعْبُدُ أَصْناماً) [الشعراء : ٧١] ، وما قالوا : (وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) [الأنبياء : ٥٣] ، ولم يذكر هاهنا شيئا قالوه له ، ثم معلوم أنه لا بهذا اللسان أجابوه بما أجابوه ، ثم ذكره على اختلاف الألفاظ والحروف ليعلم أن تغيير الحروف والألفاظ لا يغير المعنى ، وكذلك جميع القصص التي ذكرت في القرآن يذكرها مكررة معادة مختلفة الألفاظ والحروف والقصة واحدة ؛ ليدل أن المأخوذ والمقصود من الكلام معناه لا لفظه وحروفه ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ).
يقول ـ والله أعلم ـ : إفكا أي : كذبا تمسككم بالأصنام التي تعبدونها من دونه ، يقول : كذبا ذلك ، ليست بآلهة دون الله [و] عبادته.
أو يقول : إفكا ، أي : كذبا الآلهة التي اتخذتموها آلهة دون الله ، يريدون أن
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٢٩٤٢٩) وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٥٢٥) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وعبد بن حميد وهو قول قتادة والسدي.
(٢) كذا في أ.