يتخذوا آلهة وهو قريب [من] الأول ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ).
يقول ـ والله أعلم ـ : فما ظنكم برب العالمين أن يفعل بكم إذا اتخذتم دونه آلهة ، وصرفتم العبادة والشكر عنه إلى من دونه ، وقد تعلمون أنه هو المنعم عليكم هذه [النعم] وهو أسدى إليكم هذا الإحسان وهو تعالى أداها إليكم.
أو يقول : فما ظنكم برب العالمين أنه يرحمكم ويفعل بكم خيرا في الآخرة بعد تسميتكم الأصنام : آلهة ، وعبادتكم إياها دون الله ، بعد علمكم : أنه هو خالقكم ، وهو سخر لكم جميع ما في الدنيا وهو أنشأها لكم ، فما تظنون به أن يفعل بكم : أن يرحمكم ويسوق إليكم خيرا؟! أي : لا تظنوا به ذلك ، ولكن ظنوا جزاء صنيعكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ).
أي : سأسقم ، وذلك جائز في اللغة ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠] للحال ؛ فعلى ذلك قول إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (إِنِّي سَقِيمٌ) أي : سأسقم.
أو يقول : (إِنِّي سَقِيمٌ) وهو صادق ؛ إذ ليس من الخلق أحد إلا وبه سقم ومرض وإن قل ، فعلى ذلك قول إبراهيم ، عليهالسلام.
وقول من قال : إن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ كذب ثلاثا : أحدها : هذا (إِنِّي سَقِيمٌ) فذلك وحش من القول سمج (١) ، لا جائز أن ينسب الكذب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو من أنبيائه لا يقع قط في وجه من الوجوه ، ويذكر أهل التأويل أن قومه أرادوا أن يخرجوا بإبراهيم إلى عيدهم ، فنظر إبراهيم نظرة في النجوم فقال : (إِنِّي سَقِيمٌ) ليخلفوه ويتركوه ؛ ليكسر أصنامهم التي يعبدونها على ما فعل من الكسر والنحت ، ويذكرون أنه إنما نظر في النجوم ؛ لأن قومه كانوا يعملون بالنجوم ويستعملونها وعلم النجوم ، فإن كان ذلك ، فهو ـ والله أعلم ـ أراد أن يرى من نفسه الموافقة لهم ليلزمهم الحجة عند ذلك وهو ما ذكر في قوله : (هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٦] و (هذا أَكْبَرُ) [الأنعام : ٧٨] ونحوه ، قال ذلك على إظهار الموافقة لهم من نفسه ؛ ليكون إلزام الحجة عليهم والصرف عما هم عليه أهون وأيسر ؛ إذ هكذا الأمر بالمعروف في الخلق أن من أراد أن يصرف آخر عن مذهب أو دين أنه إذا أظهر من نفسه الموافقة له [كان ذلك أهون عليه.
__________________
(١) قلت : بل صح الحديث في هذا المعنى وهو في الصحيحين ، أخرجه البخاري (٧ / ٣٦) كتاب أحاديث الأنبياء : باب قول الله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) (٣٣٥٨) ، ومسلم (٤ / ١٨٤٠) ، كتاب الفضائل : باب من فضائل إبراهيم الخليل صلىاللهعليهوسلم (١٥٤ / ٢٣٧١) عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قال : «لم يكذب إبراهيم النبي صلىاللهعليهوسلم قط إلا ثلاث كذبات : ثنتين في ذات الله قوله : إني سقيم ، وقوله : بل فعله كبيرهم هذا ، وواحدة في شأن سارة ...» الحديث.