وقوله ـ عزوجل ـ : (فَراغَ)] عليهم ضربا باليمين أي : ضربهم ضربا باليمين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ).
أي : فراغ إلى ما اتخذوا هم ، وسموها آلهة ، ذكرها على ما عندهم وعلى ما اتخذوها هم وإلا لم يكونوا آلهة ، وكذلك قول موسى : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) [طه : ٩٧] أي : انظر إلى إلهك الذي هو عندك ، وإلا لم يكن هو إلها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ).
كأن طعاما [كان] موضوعا بين يديها ؛ لذلك قال : ألا تأكلون؟!
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ).
بحوائجكم ، أو يشبه أن يكون قوله : (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) : أنه من فعل بها ما فعل ؛ كقوله : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ. قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) [الأنبياء : ٦٢ ، ٦٣] عمن فعل بهم هذا ، سفه قومه في عبادتهم الأصنام ، وهي لا تأكل ولا تنطق ولا تملك دفع من قصد بها ضررا ، فكيف تطمعون شفاعتها لكم في الآخرة وهي لا تملك ما ذكر؟! والله أعلم ؛ وهو كقوله : (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ. أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) [الشعراء : ٧٢ ، ٧٣].
وقوله : (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ).
أي : مال ورجع عليهم.
وقوله : (ضَرْباً بِالْيَمِينِ) اختلف فيه :
قال بعضهم : ضربا مألوفا ليمينه التي كانت منه حيث قال : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧] ، والله أعلم.
وقال بعضهم (١) : (ضَرْباً بِالْيَمِينِ) بالقوة ، وقد يعبر باليمين عن القوة كما يعبر باليد عن القوة.
وقال بعضهم (٢) : (ضَرْباً بِالْيَمِينِ) ، أي : بيده اليمنى نفسها ، على ما يعمل المرء أكثر أعماله باليمين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ).
ظاهر هذا أنهم أقبلوا إليه وقت ما كسرها وفعل بها ما فعل ، لكن في آية أخرى ما يدل أن إقبالهم إليه كان بعد ما خرج من عندها وغاب وكان بعد ذلك بزمان ؛ ألا ترى أنهم قالوا : (مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ...) الآية [الأنبياء : ٥٩ ، ٦٠] ، ولو كانوا أقبلوا إليه مزفين وهو عندها حاضر لم
__________________
(١) ذكره البغوي في تفسيره (٤ / ٣١) ، وابن جرير (١٠ / ٥٠٣).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٩٤٥٢) وهو قول الضحاك وذكره البغوي في تفسيره (٤ / ٣١).