يحتاجوا إلى أن يقولوا : (مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا) [الأنبياء : ٥٩] ، بل يقولون : إن إبراهيم فعل ذلك بها ، ولا كان لقول إبراهيم : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) [الأنبياء : ٦٣] معنى ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَزِفُّونَ).
قال بعضهم (١) : يمشون إليه.
وقال بعضهم (٢) : يسرعون ؛ وهو قول أبي عوسجة. وأصل التزفيف : كأنه المشي فيه سرعة ، على ما يسرع المرء في المشي إذا أصابه شيء أو فعل به أمر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ).
يسفههم بعبادتهم ما ينحتون بأيديهم ويتخذونها بأنفسهم ، على علم منهم أنها لا تملك نفعا ولا ضرّا ، والذي نحتها أولى بالعبادة له [أي :] أولى بأن يعبد ـ إن كان يجوز العبادة لمن دونه ـ من ذلك المنحوت ؛ إذ هو يملك شيئا من النفع والضر والمنحوت لا ، فإذا لم تعبدوا الناحت لها والمتخذ وهو أقرب وأنفع ، فكيف تعبدون ذلك المنحوت الذي لا يملك شيئا وتركتم عبادة الذي خلقكم وخلق أعمالكم؟!
ثم من أصحابنا من احتج على المعتزلة بهذه الآية في خلق أفعال العباد ؛ يقولون : أخبر ـ عليهالسلام ـ عن خلق أنفسهم وعن خلق أعمالهم حيث قال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ).
لكنهم يقولون : ليس فيه دلالة خلق أفعالهم ؛ ألا ترى أنه قال عليهالسلام : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) وهم لا يعبدون النحت إنما يعبدون ذلك المنحوت ؛ فعلى ذلك لم يخلق أفعالهم وأعمالهم ، ولكن خلق ذلك المعمول نفسه ، والله أعلم.
لكن الاحتجاج عليهم من وجه آخر في ذلك كأنه أقرب وأولى وهو أن صير ذلك المعمول خلقا لله تعالى بقوله : (خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) ؛ لأنهم إنما يعبدون ذلك المعمول [وهو] مخلوق لله دل أن عملهم الذي عملوا به مخلوق ؛ لذلك قلنا : إن فيه دلالة خلق أعمالهم ، والله أعلم وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة : ٢٢٢] إنما صار التواب والمتطهر محبوبا لحبه التوبة والتطهر ، وصار المعتدي غير محبوب لبغضه الاعتداء ، فعلى ذلك المعمول صار مخلوقا بخلقه عمله ، والله أعلم.
__________________
(١) قاله السدي أخرجه ابن جرير (٢٩٤٥٩).
(٢) قاله الضحاك أخرجه ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر كما في الدر المنثور (٥ / ٥٢٦) ، وهو قول قتادة أيضا.