وقال بعضهم : سيهديني لدينه وذلك أول ما هاجر من الخلق ، أي : ليعلم دينه ، وقد ذكر في حرف حفصة : إني مهاجر إلى ربي سيهدين ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ).
كأنه قال : رب هب لي غلاما واجعله من الصالحين ، دليل ذلك ما ذكر له من البشارة بالغلام ، فدلت البشارة له بالغلام على أثر ذلك [على أن] سؤاله كان سؤال الغلام.
ثم فيه دليل جواز سؤال الولد الذكر ربّه ، لكنه يسأله بشرط الصلاح والطيب كما سأل الأنبياء وسأله إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) ، وقال زكريا ـ عليهالسلام ـ : (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) [آل عمران : ٣٨] ، وما ذكر وحكي عنهم مدحا لهم وثناء عليهم حيث قال ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) [الفرقان : ٧٤] يجب على من يسأل ربه الولد أن يسأله على هذه الشرائط التي سألته الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ فيكون سؤالهم الولد على ذلك سؤالا لله ـ عزوجل ـ وما يصلح لقيامه لأمره وعبادته ، فأما أن يسأله إياه لذة لنفسه وسرورا له في الدنيا فلا.
ثم يحتمل قوله : (رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ...) [الفرقان : ٧٤] إلى آخر ما ذكر وجهين :
أحدهما : أي : هب لنا من أزواجنا وذريتنا ما تقر به أعيننا.
أو هب لنا من أزواجنا من الولد والذرية ما تقر به أعيننا على ما سأل زكريا ـ عليهالسلام ـ حيث قال : (ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) [آل عمران : ٣٨].
ثم فيه دلالة أن الولد هبة الله لهم وعطاء لهم ؛ ولذلك قال : (ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) [آل عمران : ٣٨] ، (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) [الشورى : ٤٩] ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ـ والله أعلم ـ نعني : ما صار الولد هبة من الله.
وقوله : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ).
يصير حليما إذا بلغ مبلغ الامتحان بالأعمال والأمر والنهي ، أي : بشرناه بغلام حليم يحلم فيما امتحن إذا بلغ مبلغا يمتحن فيه ، قال قتادة : «إن الله ـ عزوجل ـ لم يذكر أحدا ولا وصفه بالحلم سوى إبراهيم وولده الذي بشر به» (١) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ).
أي : بلغ بحيث يقدر أن يسعى معه إلى حيث أمر هو أن يسعى ويمشي معه وهي
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٩٤٦٨) وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٥٢٧) ، وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.