الهجرة.
وقال بعضهم (١) : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ،) أي : بلغ بحيث يعمل ويمتحن عندنا.
قال له : (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى).
وترى بالنصب والرفع جميعا ـ فيه دلالة أن رؤيا الأنبياء والرسل ـ عليهمالسلام ـ على حق تخرج كالأمر المصرح ؛ ألا ترى أنه لما قال له : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) ، وقد عرف حرمة ذبح بني آدم وقتلهم قال له ولده : (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) ولو لم يكن أمرا لم يقل : (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) ، ولا قال له إبراهيم : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) ، وقد عرف حرمة ذبح بني آدم وقتلهم الذي لا يسع الإقدام عليه ، والله أعلم.
ثم [في] قوله لأبيه : (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) دلالة أن لا كل مأمور بأمر من الله شاء الله أن يفعل ما أمره ؛ حيث أخبر [أنه] سيجده من الصابرين إن شاء الله ، وقد ذكرنا أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ كان مأمورا بالذبح ، فإذا أمر هو بالذبح أمر هذا أن يصبر على الذبح ولا يجزع ، ثم أخبر أنه يصبر إن شاء الله دل أن لا كل مأمور لله بأمر شاء منه أن يفعل ذلك ، ولكن شاء أن يفعل ذلك ممن علم منه أنه يختار ذلك الفعل ويفعله ، ومن علم منه أنه لا يفعل ذلك لا يجوز أن يشاء منه ذلك الفعل ؛ وكذلك قول موسى ـ عليهالسلام ـ : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) [الكهف : ٦٩] ، وهذا على المعتزلة لقولهم : إن الله تعالى إذا أمر أحدا بأمر شاء أن يفعل ما أمره به ، لكنه تركه لما لم يشأ هو ، والله أعلم. وقد بينا فساد قولهم في غير موضع ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ).
يحتمل قوله : (أَسْلَما) أي : استسلما لأمر الله فيما أمرهما : هذا بالذبح ، وهذا بالبذل والطاعة في ذلك.
أو أسلم هذا ابنه وهذا نفسه لله ـ عزوجل ـ وأصله : أسلما أنفسهما لأمر الله وإطاعته في ذلك.
وقوله : (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) ، أي : صرعه ، وكبه على وجهه ، فيه أنه لم يضجعه كما يضجع المرء ما يريد أن يذبحه من الشياه وغيرها ، ولكنه أضجعه على وجهه ، فهو ـ والله أعلم ـ لما أراد أن ينفذ أمر الله ويقدر على أداء ما أمر به ، فلعله لو أضجعه على ما يضجع غيره من الذبح نظر كل واحد منهما إلى وجه الآخر ، فيرحمه هذا بترك ذبحه وهذا ينظر في
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٩٤٦٩) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٥٢٧) ، وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.