وجهه في جزع ويترك طاعته.
أو على ما قال أهل التأويل (١) : إنّ ولده قال لإبراهيم ـ عليهالسلام ـ : كذا ، ففعل ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) يجوز أن يحتج بهذه الآية على المعتزلة لقولهم : إن الله ـ عزوجل ـ إذا أمر أحدا بأمر يجوز ذلك الفعل منه وأراد أن يفعل ما أمره به ، ونحن نقول : يجوز أن يريد غير الذي أمره به ، يريد أن يكون ما علم أنه يكون منه ويختاره حيث قال ـ عزوجل ـ : (يا إِبْراهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) ، ولم يكن منه حقيقة ذبح الولد وقد أمره بذبحه ، فلو كان في الأمر إرادة كون ما أمره به ، لكان لا يصدقه في الوفاء بالرؤيا ، ولم يكن ذلك منه حقيقة.
لكنهم يقولون : إن الأمر بالذبح لم يكن إلا ما كان منه من ذبح الكبش من ذلك أراد فكان ما أراد ، ومذاهبهم الاحتيال لدفع ما ذكرنا.
لكن نقول : إن الأمر بالذبح إنما كان بذبح الولد حقيقة لا بذبح الكبش ؛ دليله وجوه :
أحدها : قول إبراهيم حيث قال : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) ، وقول ولده ـ عليهماالسلام ـ : (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) ، لو لم يجعل الأمر من الله له بالذبح أمرا بالذبح على ذبح الولد حقيقة لكان يجهلهما في قولهما : أمر الله ، وفي تسميتهما ما سميا ، ولم يجهلهما في ذلك ، فدل أن الأمر كان على حقيقة ذبح الولد لا على ذبح الكبش على ما يقولون ، والله أعلم.
والثاني : أن إبراهيم وولده ـ عليهماالسلام ـ قد مدحا وأثنى عليهما بالصنيع الذي صنعا : هذا بإضجاعه إياه للذبح ، وهذا لبذله نفسه له والطاعة له في ذلك ، فلو كان الأمر منه لهما لا غير الإضجاع والبذل لذلك لم يكن لهما في ذلك الصنيع فضل مدح ولا فضل ثناء ومنقبة ؛ إذ لكل أحد إضجاع الولد لذلك وللآخر البذل له ، فإذا مدحا وأثني عليهما في صنيعهما الذي صنعا وصار لهما منقبة عظيمة إلى يوم القيامة ، حتى سمي هذا : ذبيح الله ، وهذا : فداء الله ؛ حيث قال الله ـ عزوجل ـ : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) ، فلو كان الأمر بالذبح ذبح الكبش لا ذبح الولد لم يكن الكبش فداء منه ؛ إذ لا يسمى الفداء إلا بعد إبدال غير عنه وإقامة غير مقامه ، دل على ما ذكرنا ، والله أعلم.
لكنه إذا أضجعه وتله للجبين على [ما] ذكر صارا ممنوعين عن ذلك الفعل غير تاركين
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٢٩٤٨٥) وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٥٢٨) ، وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وهو قول عكرمة وقتادة وغيرهما.