وصفوا له بنين إنهم لمحضرون النار وعذاب الله ، ويحاسبون ، على قول مجاهد وغيره ، والذين أولئك ـ أعني الأتباع ـ أنهم (١) ملائكة الله ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ. إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ).
قوله : (سُبْحانَ اللهِ) نزه نفسه عما وصفه الذين تقدم ذكرهم ، وتبرأ عن جميع ما قالوا فيه ، ثم استثنى عزوجل : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) ، فلسنا ندري ما موضع الثنيا هاهنا على أثر ما ذكر من التنزيه لنفسه ، يحتمل الاستثناء وجهين :
أحدهما : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) أولئك الكفرة من الولد وغيره إلا عبادنا المخلصين.
والثاني : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) ، أي : من أخلص منهم وآمن فإنه غير برىء مما يصفه ؛ لما يجوز أن يسلم منهم نفر فيصفونه بما يليق به ؛ لأن المؤمن والمخلص لا يصف ربه إلا بما يليق به ، والله أعلم.
وقال بعضهم : «إلا عبادنا المخلصين» استثنى من قوله : (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) للنار (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ. إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) فإنهم لا يحضرون النار والعذاب على سبق استثناء هؤلاء الذين أخلصوا ممن يحضر فيما تقدم ـ والله أعلم ـ وهو على التقديم والتأخير.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ* ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ* إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ* وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) : يقول ـ والله أعلم ـ : إنكم وما تعبدون لا تملكون أن تفتنوهم وأن تضلوهم ، إلا من هو في علم الله أنه يختار الضلالة ؛ مما يصليه النار ، على حق المعونة لهم لا حقيقة الإضلال ، وهو ما ذكر ـ عزوجل ـ في آية أخرى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [الحجر : ٤٢] ، وما أخبر أنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ، إنما سلطانه على الذين يتولونه ، والله أعلم.
وقال بعضهم في قوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) : إلا من كتب عليه في اللوح : أنه يصلى الجحيم.
وقال بعضهم (٢) : إلا من قضي الله عليه أنه يصلى النار.
وأصله ما ذكرنا ، والله أعلم.
وما يعبدون : الجنّ الذين عبدوا الجن ، أو الملائكة ، ويحتمل الأصنام التي عبدت ؛ إذ
__________________
(١) كذا في أ.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٩٦٦١ ، ٢٩٦٦٢) وابن أبي حاتم واللالكائي في السنة كما في الدر المنثور (٥ / ٥٤٨ ، ٥٤٩) وهو قول الحسن وإبراهيم التيمي وعمر بن عبد العزيز والضحاك ، والله أعلم.