ذكر أن أبا طالب كان مريضا فجاءه النبي صلىاللهعليهوسلم يعوده وعند رأسه مقعد رجل ، فقام أبو جهل ، فجلس فيه وعنده ملأ من قريش ، فشكوا النبي صلىاللهعليهوسلم إلى أبي طالب ، فقالوا : إنه يقع في آلهتنا ، قال : يا ابن أخي ، ما تريد منهم؟ قال : «يا عم ، إني أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب ويؤدي إليهم بها العجم الجزية» ، قال : وما هي؟ قال : «لا إله إلا الله» ، فقال أبو جهل : أجعل الآلهة إلها واحدا (١) ، بذلك أخبرهم «العزة» التي ذكر حيث قال : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ).
وقوله : (فِي عِزَّةٍ).
قال بعضهم (٢) : منعة معاندين ممتنعين.
وقال بعضهم : (فِي عِزَّةٍ) في حمية واعتزاز ، والحمية هي التي تحمل على الخلاف والمعصية ، والله أعلم.
ثم اختلف في موضع القسم هاهنا :
قال بعضهم : القسم في قوله : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) قيل : في قوله : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) بوجهين :
أحدهما : أن هذا في كل كافر ومشرك ينادي عند موته وهلاكه ، ويسأل ربه الرجوع والعود إلى الدنيا ليؤمن ؛ كقوله : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ...) [المؤمنون : ٩٩ ، ١٠٠] (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) الآية [المنافقون : ١٠] ونحوه ، لكن لم ينفع ذلك النداء والغوث والسؤال التأخير على ما أخبر أنه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
ومنهم من يقول : هذا في الجملة في الأمم التي أهلكت من قبل واستؤصلت بالتكذيب والعناد ، كانوا ينادون عند نزول ذلك بهم ووقوعه عليهم ، ويسألون الغوث ويظهرون الإيمان ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) [غافر : ٨٤] لكن لا ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت على ما أخبر الله ـ عزوجل ـ لأنه إيمان دفع العذاب واضطرار لا إيمان اختيار ، يخوف بهذا أهل مكة أن ينزل بهم ما نزل بأولئك ويندمون على
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٣٢٣٢) ، وأحمد (١ / ٢٢٧ ، ٢٢٨) ، وأبو يعلى (٢٥٨٣) ، وابن حبان (٦٦٨٦) ، والحاكم (٢ / ٤٣٢) ، والبيهقي (٩ / ١٨٨) ، وابن جرير (٢٩٧٣٧ ، ٢٩٧٣٨) ، من حديث ابن عباس.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
(٢) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٩٧٢٢) وعبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف كما في الدر المنثور (٥ / ٥٥٦).