صنيعهم كما ندم أولئك ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) هو في الأصل (ولاه) ، فإذا وصل ب (حين) صارت (ولات) كأنه يمين ، أي : والله ، وهو قول الكسائي.
وقال بعضهم : هو (ولا) وليس هنالك تاء وإنما التاء في (حين) ، أي : (تحين) ، وربما يزاد التاء في (حين) و (لا).
وقال بعضهم : (ولات) بالتاء ، وقد قرئ بالتاء والوقف عليها.
[و] قوله : (حِينَ مَناصٍ) ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يقول : «ليس بحين تزور ولا فرار» (١).
وقال بعضهم (٢) : ليس بحين مغاث.
وقيل (٣) : ليس بحين جزع ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ).
يحتمل هذا وجهين :
أحدهما : (عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) أي : من بشر مثلهم ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [الأنبياء : ٣] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) [المؤمنون : ٣٣] ، وقولهم : (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤] كانوا ينكرون الرسالة في البشر ويقولون : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) [الفرقان : ٢١].
والثاني : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) أي : من دونهم في أمر الدنيا ، لما رأوا أنفسهم قد فضلوا في أمر الدنيا دونه ، فقالوا : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) ، وقالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] لم يروا من دونهم في أمر الدنيا [أهلا لذلك] على ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ).
دل هذا القول منهم : أنه قد كان من رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه معجزة أتى بها حتى قالوا : (ساحِرٌ كَذَّابٌ) ، علموا أنه رسول الله ، لكنهم عاندوا وأرادوا بقولهم : (ساحِرٌ كَذَّابٌ) أن يغووا أتباعهم عليه ، كما أغوى فرعون قومه على موسى ـ عليهالسلام ـ حيث قال : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) [الشعراء : ٣٥] وهو ـ عليهالسلام ـ لم يرد أن
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٩٧٢٤ ـ ٢٩٧٢٧) وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٥٥٦) وزاد نسبته للفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه وفي أ : بروز وفي الطبري : نزو.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٩٧٢٨) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٥٥٧) ، وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
(٣) قاله سعيد بن جبير أخرجه عبد بن حميد كما في الدر المنثور (٥ / ٥٥٧).