يخرجهم من أرضهم ، إنما يريد الإسلام منهم ؛ فعلى ذلك هؤلاء الرؤساء عرفوا أنه ليس بساحر ولكنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولكن أرادوا أن يغووا قومهم وأتباعهم عليه ولبسوا أمره عليهم ؛ لئلا يتبعوه ، وكذلك قوله ـ عزوجل ـ : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) هذا القول من الرؤساء والمتبوعين منهم إغواء عليه لما عرفوا من خبر عبادة الأصنام والأوثان في قلوبهم ، فقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ).
اختلف في قوله : (أَنِ امْشُوا) قال بعضهم : إن الملأ منهم والأتباع ، أتوا أبا طالب يشكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما يذكر آلهتهم بسوء ، فلما كلموه في ذلك لم يلتئم أمرهم فيما طمعوا منه ولم يجبهم إلى ما دعوه إليه وسألوه ، فقال الملأ وهم أشرافهم للأتباع : امشوا من عنده واصبروا على عبادة آلهتكم.
أو أن يقال : أن قال الملأ للأتباع : (أَنِ امْشُوا) إلى آلهتكم (وَاصْبِرُوا) على عبادتها.
أو أن يكون قولهم لهم : (أَنِ امْشُوا) إلى أبي طالب وقولوا له كذا (وَاصْبِرُوا) على كذا.
أو يقولون : امشوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ).
لسنا ندري ما أرادوا بقولهم : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) ، فجائز أن يكونوا أرادوا بذلك أن محمدا صلىاللهعليهوسلم وإن دعاكم إلى ترك عبادة الأصنام لا يترككم كذلك ، ولكن يدعوكم إلى عبادة غيرها ، أو يطلب منكم أشياء أحوالا ، أو أشياء أرادوا لسنا نعرف ما أرادوا بذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ).
قال بعضهم : الملة الآخرة (١) : هي ملة عيسى ـ عليهالسلام ـ قالوا ذلك ؛ لأن النصارى اختلفوا في عيسى ـ عليهالسلام ـ منهم من اتخذه إلها ، ومنهم من اتخذه ولدا لله ـ عزوجل ـ فيقولون : عبادة الواحد الذي يدعو إليه محمد صلىاللهعليهوسلم في الملة الآخرة وهي النصرانية إذ من صيره إلها عنده ومن قال : إنه صيره بحيث يحتمل الشريك؟! فيقولون : ظهرت عبادة العدد في الملة الآخرة فكيف يمنعنا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن عبادة العدد ويدعونا إلى عبادة الواحد؟!
__________________
(١) قاله محمد بن كعب القرظي أخرجه ابن جرير (٢٩٧٤٤) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٥٥٨) ، وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.