وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما).
هو مثل الأول ، أي : لهم ملك السموات والأرض ؛ ليملكوا ما شاءوا من الأمور ويختاروا وضع الرسالة فيمن شاءوا هم ، أي : ليس لهم ملك السموات والأرض ؛ فيملكوا ما يذكرون ويختارون [ما] قالوا ، بل نملك ذلك ، وإلينا ذلك ، فعند ذلك يقال : (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ).
ثم اختلف في الأسباب التي ذكر : قال بعضهم : السبب ما بين السماء والأرض ، وكذلك ما بين كل سماءين سبب ، والأسباب جماعة.
وقال بعضهم (١) : الأسباب : طرق السماء.
وقال بعضهم (٢) : هي الأبواب التي في السماء تفتح للوحي.
ومعناه ـ والله أعلم ـ أي : فليرتقوا في الأسباب إن كانوا صادقين بأن محمدا صلىاللهعليهوسلم كذاب ، وأنه ساحر ، وأنه اختلقه من تلقاء نفسه ، أي : يفتح له أبواب السماء فليستمعوا إلى الوحي حتى يوحي الله ـ عزوجل ـ للنبي صلىاللهعليهوسلم ؛ لقولهم : (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ).
أو أن يكون معناه ـ والله أعلم ـ : أن يرتقوا [إلى] ملك فينزل فيخبر أن محمدا صلىاللهعليهوسلم كاذب فيما يدعى لقولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) [الفرقان : ٧] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ).
قال بعضهم (٣) : حرف (ما هُنالِكَ) صلة كأنه قال ـ عزوجل ـ : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ).
وقال بعضهم : جند بل هنالك مهزوم من الأحزاب.
وجائز أن يكون على تحقيق (ما) فيه ، أي : جند ما يهزم هنالك من الأحزاب ، لا كل الأجناد ، وهو الجند الذين خرجوا عليه بالمباهلة ، وهم الذين قالوا : اللهم انصر أينا أوصل رحما وأنفع مالا وأخير للخلق فغلبوا هم وقهروا.
وقال عامة أهل التأويل (٤) : هو الجند الذي قتل ببدر ، والله أعلم.
ثم في الآية وجوه ثلاثة من الدلالة :
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٢٩٧٥٨) ، وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٥٥٨) ، وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد.
(٢) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٩٧٥٩).
(٣) انظر : تفسير ابن جرير (١٠ / ٥٥٥).
(٤) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٩٧٦٦) ، وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٥٥٨) ، وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.