ويحتمل (ما تَعْبُدُونَ) أي : من تعبدون؟ فقالوا : (نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ)(١) أي : نقيم لها عابدين ، أي : نديم على عبادتها ، والعكوف على الشيء : هو الإقامة عليه والدوام.
قال أبو معاذ النحوي : «ظلّ» لا يقال إلا بالنهار ، ومحال أن يقال : ظل ليله يصنع كذا ، حتى يقول : بات ليله ، ومنه الحديث : «ظل نهاره صائما ، وبات ليله قائما».
[ثم قال] يبين سفههم : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ). يحتمل قوله : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) أي : هل يجيبونكم إذ تدعونهم.
ويحتمل : هل يسمعونكم على السماع نفسه ، أي : هل يسمعون دعاءكم إذ تدعونهم ؛ كقوله : (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) الآية [فاطر : ١٤].
وقوله : (إِذْ تَدْعُونَ) : يحتمل تعبدون ، ويحتمل الدعاء نفسه ، وإن كان على العادة فلا يحتمل تأويل السماع.
وقوله : (أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) : وهل يقدرون على نفعكم وضركم إن أرادوا ذلك بكم وشاءوا.
أو أن يكون ما ذكر أهل التأويل : هل ينفعونكم إن عبدتموها وأطعتموها ، أو يضرونكم إن عصيتموها وتركتم عبادتها ، فبهتوا ولم يقدروا على الجواب له سوى ما ذكروا من تقليد آبائهم في ذلك فقالوا : (بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) لما عرفوا أن تلك التي عبدوها لا تملك ضرّا ولا نفعا ، لكنهم عبدوها تقليدا لآبائهم ؛ لما وقع عندهم أن آبائهم ما عبدوها إلا بأمر ، إذ لو لم يكن ذلك بأمر ما تركوا ، لكن قد ذكر أن في آبائهم من لم يعبدها قط ، ثم لم يقلدوهم فكيف قلدوا أولئك؟! دل أن الاعتلال فاسد.
وقوله : (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) : ثم قال : إنهم وآباءهم الذين عبدوا الأصنام من قبل عدو له إلا رب العالمين ، استثنى رب العالمين ، يقول : هم عدو لي وأنا بريء منهم ، إلا أن يكون فيهم من يعبد ربّ العالمين ، فيكون على الإضمار ،
__________________
(١) ثبت في حاشية أوقوله : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ) : أمر الله رسوله ؛ حتى يخبرهم بما قال إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لأبيه وقومه وما حاجهم ؛ فيكون ذلك لازما عليهم.
ثم قوله : (ما تَعْبُدُونَ) ، قيل : ما ذا تعبدون؟ كأنه رأى عبادتهم الأصنام ، فقال : ما هذا الذي تعبدون؟ كما ذكر في آية أخرى : (ما ذا تَعْبُدُونَ* أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) ، ويحتمل أنه لم يرهم في عبادة الأصنام ، وأشكل عليه حالهم ؛ فسألهم ، وقال : (ما تَعْبُدُونَ) أي : من تعبدون؟ ، أي : تعبدون رب السموات والأرض ، أو غيره؟ ، فقالوا بقوله تعالى : (قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) شرح.