أي : فإنهم جميعا عدو لي إلا من عبد رب العالمين.
وقال بعضهم : يقول : إن العابد والمعبود كلهم عدوّ لي إلا رب العالمين ، أي : إلا المعبود بالحقيقة الذي يستحق العبادة ، فإنه وليي.
وقال بعضهم : ليس على الاستثناء ، ولكن على الابتداء ؛ كأنه قال : أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدوّ لي ، ولكن ربي : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ. وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) ، ذكر هذا لهم أن الإله المستحق للعبادة هو هذا الذي يصنع هذا ، وهو المالك للنفع ودفع الضر ، لا الأصنام التي عبدتم أنتم وآباؤكم.
وقوله : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) : قال بعضهم : فهما وعلما ، وجائز أن يكون إبراهيم سأل ربه الإبقاء على الحكم ؛ إذ كان قد أعطاه العلم والحكم ؛ كقوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦].
أو سأل الزيادة على ما أعطاه ؛ كقوله : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه : ١١٤].
ويحتمل أن يكون سأل ربه قبول حكمه في الخلق ، ورفع الحرج له عن قلوبهم على ما ذكر في حكم رسول الله ؛ حيث قال : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ...) الآية [النساء : ٦٥].
وقوله : (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) أي : توفني على ما توفيت الصالحين حتى ألحق بهم ، هذا ـ والله أعلم ـ يعني : آله ؛ الإلحاق بالصالحين : أن يتوفاه على الذي توفي أولئك ـ وهو الإسلام ـ ليلحق بهم ، والله أعلم.
وقوله : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) أي : اجعل لي الثناء الحسن في الناس ، وكذلك إبراهيم ـ صلوات الله عليه ـ جميع أهل الأديان على اختلافهم قد انقادوا له وانتسبوا إليه ، وادعوا أنهم على دينه ، وأن دينه هو الذي هم عليه ليس من أهل ملة إلا وهم يتولونه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) أي : اجعلني باقيا من بعد موتي في جنة النعيم ؛ إذ الوارث هو الباقي عن الموروث ؛ وكذلك تأويل قوله : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) [مريم : ٤٠] أي : نبقى بعد فناء أهلها ؛ إذ الوارث هو الباقي ؛ فعلى ذلك قول إبراهيم : اجعلني من الباقين في جنة النعيم ، والله أعلم.
وقوله : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) : لا يحتمل أن يكون استغفار إبراهيم لأبيه ـ