نفسه أو لمنفعة له ، ولكن إنما يأمر وينهى لمنفعة أنفسكم ولحاجتكم.
أو يقول : تعلمون أنه هو ربكم ورب ما ذكر من السموات والأرض وما بينهما ، فكيف تعبدون من تعلمون أنه ليس بربكم ولا إله ، وإنما الإله ما ذكر فتتركون عبادته وطاعته؟! وقوله ـ عزوجل ـ : (الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ).
أي : لا يلحقه الذل بذل أوليائه وخدمه ؛ لأنه عزيز بذاته لا بأحد ليس كملوك الأرض يذلون إذا ذل أولياؤهم وأتباعهم ؛ لأن عزهم بأوليائهم وأتباعهم فإذا ذلوا ذل من كان عزه بهم ، فأما الله ـ سبحانه وتعالى ـ فعزيز بذاته لا يلحقه الذل بذل أوليائه ولا هلاكهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ. أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) ، له تأويلان :
أحدهما : أن هذا القرآن الذي أنزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم نبأ عظيم أنتم عن التفكر فيه والنظر معرضون ؛ لأن فيه ذكر ما نزل بالمكذبين بالتكذيب والعناد ، وفيه ذكر من نجا منهم بم نجا؟ وفيه ذكر ما يؤتى وما يتقى ، وفيه ذكر البعث وذكر الجنة والنار ونحوه ، وذكر ما لهم وما عليهم ، فهم عن التفكر فيه والنظر معرضون ما لو تفكروا فيه وتأملوا ، لأدركوا كله ووصلوا إلى معرفة كل ما فيه مما ذكرنا ، والله أعلم.
والثاني : قوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ. أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) أي : البعث والحشر هو نبأ عظيم أنتم عن السعي والعمل لذلك معرضون تاركون.
فمن جعل تأويله على البعث والحشر يجعل الإعراض عن السعي له والعمل لذلك اليوم ، ومن حمل تأويله على القرآن يجعل الإعراض عن التفكر فيه والنظر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ. إِنْ يُوحى إِلَيَّ ...) الآية.
اختلف في الملأ الأعلى : قال عامة أهل التأويل (١) : الملأ الأعلى : هم الملائكة الذين تكلموا في آدم ـ عليهالسلام ـ حين قال لهم الرب ـ عزوجل ـ : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، فقالوا عند ذلك : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ...) الآية [البقرة : ٣٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ليس على حقيقة الخصومة ، ولكن على التكلم في ذلك ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (يَتَنازَعُونَ فِيها) [الطور : ٢٣] كأنها ليس على التنازع المعروف عند الناس والخصومة ، ولكن على اختلاف الأيدي فعلى ذلك ما ذكر من اختصامهم ، والله أعلم.
ومعناه : ما كان [لي] من علم من اختصام الملأ الأعلى وما كان منهم من التكلم إلا أن أوحي إليّ فعلمت وإنما أنا نذير مبين.
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٠٠٢٤) ، وهو قول السدي وقتادة أيضا.