وقال بعضهم (١) : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) وما كان اختصامهم في الكفارات وفي الدرجات وفي المنجيات والموثقات حتى علمني الله ذلك بالوحي إليّ وأعلمني ذلك ، ويذكرون أن الكفارات هو إسباغ الوضوء في المكروهات وبذل الطعام عند الضيق والشدائد ونحوها مما يطول ذكره ، والله أعلم.
وجائز أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) أي : بالجمع الأعلى وهو جمع يوم القيامة ، سماه : الجمع الأعلى ؛ لأنه جمع الأولين والآخرين من الفرق جميعا ، أي : ما كان لي من علم بذلك الجمع حتى علمت بالوحي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ يَخْتَصِمُونَ).
في ذلك اليوم تقع الخصومات ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر : ٣١] وهو على حقيقة الخصومة.
وجائز أن يكون الملأ الأعلى هم الأشراف من أولئك الكفرة والقادة ، منهم الذين أهلكوا بالتكذيب ومن نجا منهم بالتصديق ؛ يقول : ما كان لي من علم بهم وما نزل بهم أوحي إليّ فعلمت بالوحي ، كأنهم سألوه عن ذلك فأخبر ، أي : كنت كواحد منكم في ذلك حتى علمت ذلك بالوحي ، ألا إنما أنا نذير مبين أمرني ربي وأوحى إليّ أن أنذركم بذلك حين أعلم بالوحي ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ).
ظاهر هذا أن يكون لا على القول منه لهم ، ولكن على الخبر أنه كان ما ذكر ، والله أعلم.
ثم ذكر الذي خلق منه آدم على أوصاف مختلفة : مرة ذكر أنه خلق من طين ، ومرة من تراب ، ومرة من حمأ مسنون ، ومرة كالصلصال ، ومرة كالفخار ، ومرة لازب وغيره على اختلاف ما ذكر ؛ فجائز أن يكون كل وصف من ذلك قد كان وصف عن حال ، كان ترابا ، ثم صار طينا ثم ما ذكر [و] وصف ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي).
إضافة الروح إلى نفسه كإضافة خلق من خلائقه إليه ؛ إذ الروح خلق من خلائقه كسائر الخلائق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ).
لو لا صرف أهل التأويل سجود الملائكة لآدم إلى حقيقة السجود وإلا كنا نصرفه
__________________
(١) ورد في معناه حديث أخرجه الترمذي (٣٢٣٥) ، والطبراني ، والحاكم ، وابن مردويه ، ومحمد بن نصر عن معاذ بن جبل كما في الدر المنثور (٥ / ٥٩٧).