لآخر : إلى الخضوع له والاستسلام ، كما أحوج الملائكة إلى معرفة هذه الأسماء إلى آدم وبه عرفوها حيث قال ـ عزوجل ـ : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ) [البقرة : ٣٣] ، لكن صرف أهل التأويل سجود الملائكة إلى حقيقة السجود له جائز ؛ لأنهم ممتحنون بالأمر والنهي وقد بينا ذلك فيما تقدم.
ثم استثنى إبليس من الملائكة وأخبر أنه استكبر وأبي أن يسجد له حيث قال ـ عزوجل ـ : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ).
على قول من يقول : إن إبليس كان من الملائكة ، فلما أبي السجود ، خذله ووكله إلى نفسه صار كافرا ؛ ليعلم أن كل أحد وإن عظم قدره وجلت منزلته يحتمل خلاف ما هو [عليه] وضده ، وأنه متى امتحنه بأمر فترك أمره ؛ تكبرا أو استخفافا ـ خذله ووكله إلى أمره ونفسه فصار كافرا مخذولا حقيرا ؛ ليكونوا أبدا على حذر وفزع إلى الله ـ عزوجل ـ على ما أخبر من عظم قدر الملائكة عند الله وجليل منزلتهم عنده إذا خذلهم ووكلهم إلى أنفسهم صاروا كما صار إبليس ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ).
أي : كان في علم الله أنه يكفر.
أو كان بمعنى صار من الكافرين إذ أبي السجود واستكبر ؛ كقوله ـ عزوجل ـ لآدم : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : ٣٥] أي : تصيرا من الظالمين ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ).
قد ذكرنا فيما تقدم في غير موضع أن تخصيص إضافة الشيء الواحد إلى الله ـ عزوجل ـ يخرج مخرج تعظيم ذلك الواحد وذلك الفرد ؛ كقوله : بيت الله ومساجد الله ورسول الله وولي الله وأشباه ذلك ، وخص هذه الأشياء بالإضافة إليه وإن كانت البقاع كلها والخلق كله له على التعظيم لذلك ؛ فعلى ذلك يخرج إضافة خلق آدم إلى نفسه مخرج تعظيم آدم حيث قال : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) وإن كان جميع الخلائق هو خلقهم ، ويخرج إضافة كلية الأشياء إلى الله وكلية الخلائق إليه مخرج تعظيم الربّ والمدح له ؛ نحو قوله ـ عزوجل ـ : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠٢] ورزاق ، يخلق منشأ العالم ومبدأه ، وهو على كل شيء قدير ، مالك الملك ، وغير ذلك على ما ذكرنا فيما تقدم ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (بِيَدَيَ).
قد تكلف أهل الكلام والتأويل في تأويل إضافة اليد إلى الله ـ عزوجل ـ : منهم من قال : القوة ، ومنهم من قال : كذا ، لكن التكلف في ذلك فضل مع ما قد يضاف اليد إلى