من لا يد له ولا جارحة ولا عضو ، نحو [ما] قال ـ عزوجل ـ : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : ٤٢] لم يفهم أحد بذكر اليد له ولا الخلف ما يفهم من الخلق ولا ذهابهم ، وكذلك ما ذكر من مجيء البرهان حيث قال ـ عزوجل ـ : (قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [يونس : ٥٧] و (قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [النساء : ١٧٤] وأمثال ذلك مما يكثر عده وإحصاؤه ، لم يفهم أحد من الخلائق من مجيء هذه الأشياء التي ذكرنا مجيء الخلق ولا فهم من ذكر اليد ـ لما ذكرنا من الأشياء ـ جارحة ولا عضو ، فكيف يفهم من ذكر اليد ما فهم من الخلق إلا لفساد اعتقادهم لربهم والجهل بتعاليه عن معنى الغير ، وإلا لم يخطر بباله بذكر ذلك لله أو إضافته إليه ما يخطر بباله من الخلق ومعنى الخلق.
أو أن يكون ذكر ذلك لنفسه وإضافته إليه من اليد وما ذكر ؛ لما باليد يكون في الشاهد لو احتمل كون ذلك من الخلق ، نحو ما قال : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) وما كسبت يداك ، ونحو ذلك مما يعلم في الحقيقة أن ذلك لم يكن يكسب به حقيقة ولا عمله من نحو الكفر وغير ذلك من الأشياء ، لكنه ذكر لما باليد يكتسب في الشاهد وبها يعمل أكثر الأعمال والأفعال.
أو أضاف ذلك إليها لما ذكرنا وإن لم يكن منها عمل حقيقة ؛ فعلى ذلك إضافة اليد إلى الله فيما أضاف على ما كان ذلك من الخلق إنما كان باليد ؛ على ذلك يخرج ما ذكر من استوائه على العرش بعد أن ذكرنا فيه ما يليق به ونفينا عنه ما لا يليق ، وأصل ذلك أنا عرفنا الله ـ عزوجل ـ متعاليا عن جميع معاني الغير [و] عن كل صفات يوصف بها الغير ، على ما ذكر في كتابه : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] فإذا كان كذلك فلا حاجة لنا إلى تأويل اليد وما ذكروا أنه ما أراد بها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ).
معناه ـ والله أعلم ـ : أستكبرت للحال عند ما أبيت السجود له ، أم كنت في اعتقادك من العالين أي المستكبرين؟
ويحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ كُنْتَ) : أم صرت من العالين ، أي : استكبرت وصرت من العالين على ما في قوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) ، أي : صار من الكافرين.
ثم حرف الشك والاستفهام من الله قد ذكرنا أنه على الإيجاب والقطع كأنه قال : بلى كنت في [علم] الله أنك تكفر.
أو يقول : صرت من العالين ، أي : ممن يطلب العلو ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِرْعَوْنَ