عَلا فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٤].
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).
ظن إبليس ـ عليه لعنة الله ـ أن النار لما كان من طبعها الارتفاع والعلو ومن طبع الطين التسفل والانحدار أن الذي طبعه الارتفاع والعلو خير من الذي طبعه التسفل والانحدار ؛ لذلك قال ـ والله أعلم ـ : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).
أو لما رأى أن إصلاح الأشياء كلها ونضجها بالنار فقال [هذا] عند ذلك.
لكن لو نظر الملعون وحقق النظر ، لعلم أن الطين خير من النار ؛ لأنه من الأرض ، والأرض كالأصل والأم لغيرها ؛ لأن الأشياء يكون صلاحها ونضجها بالنار [و] أول بدئها من الأرض ، كالابن من الأم الوالدة على ما ذكرنا ، والله الموفق.
ثم كفره بإبائه السجود له لما لم ير أمر الله له بسجود من هو خير وأعلى لمن دونه حكمة وحقّا ، فكفر لما رأى أنه وضع الأمر في غير موضع الأمر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاخْرُجْ مِنْها).
قال بعضهم (١) : أي : اخرج من الجنة.
وقال بعضهم : أي : اخرج من السماء إلى الأرض.
وقال بعضهم : أي : اخرج من الأرض إلى جزيرة البحر ، والله أعلم بذلك ، وليس لنا أن نتكلف القطع على القول فيه : أن أمره بالخروج من كذا ، وقد عرف اللعين أنه بما ذا أمره بالخروج منها.
ثم ذكر مرة (فَاخْرُجْ مِنْها) ، ومرة قال : (فَاهْبِطْ مِنْها) [الأعراف : ١٣] ونحو ذلك من الألفاظ المختلفة ؛ وكذلك ما ذكر مرة قال : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ، وقال فيما وضع آخر : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) [الأعراف : ١٢] ، وقال في موضع : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) و (تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [الحجر : ٣٢] ونحو ذلك على الألفاظ المختلفة ، فذلك كله يدل على أن ليس على الناس حفظ الألفاظ والحروف ، وكذلك ما ذكر في القصص على اختلاف الألفاظ مكررة معادة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ).
أي : لعين ، كأنه قال : فإنّك لعين على ألسن الناس ، ليس يذكره أحد من أعدائه وأتباعه وأوليائه إلا وقد لعنه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ).
كانت اللعنة عليه إلى يوم الدين هي خذلانه وطرده عن رحمته ودينه ؛ لما علم أنه لا
__________________
(١) قاله ابن جرير (١٠ / ٦٠٦).