يعود إلى اختيار توحيده وطاعته أبدا ، وإلا كان عليه لعنته في الدنيا والآخرة : فأما في الدنيا ما ذكرنا من خذلانه وتركه في العمر ، وأما في الآخرة مطرود عن جنته ، والله أعلم.
ثم سأل ربه أن ينظره إلى يوم يبعثون فأجاب حيث قال ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) وإنما أنظره ـ والله أعلم ـ لأنه يختار الكفر والخلاف له أبدا.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ).
هو يوم اختلف فيه :
[قال بعضهم :] (الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) : هو يوم البعث ، إلى ذلك أنظره على ما سبق منه السؤال على النظرة إلى يوم البعث حيث قال : (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
وقال بعضهم : (الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) : هو النفخة الأولى.
وقال بعضهم : لم يبين له ذلك الوقت ؛ ولذلك ذكر منه الخوف ، وهو ما قال ـ عزوجل ـ : (قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ)(١) ، ولو كان بين له الوقت المعلوم لكان لا يخاف دون ذلك الوقت ، ولكنه يأمن فدل خوفه أنه لم يبين له ذلك وهو معلوم عند الله ، والله أعلم.
وقوله : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ).
وقال ـ عزوجل ـ : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [الحجر : ٤٢] كأنه يقول ـ والله أعلم ـ : إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان أن تغويهم إلا من كان في علمه أنه يختار الغواية ويؤثر اتباعه ؛ فيكون له عليهم سلطان الإغواء ، فأما من كان في علم الله أنه يختار الإيمان والتوحيد ، فلا سبيل لك عليهم ، والله أعلم.
ثم قال بعضهم : (الْمُخْلَصِينَ) للتوحيد ، فإن كان ذلك فيكون قوله تعالى : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ) يكون كفرا.
وقال بعضهم : (الْمُخْلَصِينَ) من الهلاك ، فإن كان ذلك فيكون قوله : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ) ، أي : لأهلكنهم.
وقال بعضهم : (الْمُخْلَصِينَ) من كل ذنب وكل معصية ، لكن الوجهين الأولين أشبه وأقرب ، والله [أعلم].
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ).
قرئ بنصبهما جميعا : (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ) ، وقد قرئ أيضا برفع الأول ونصب الثاني : (فَالْحَقُّ وَالْحَقَ).
__________________
(١) زاد أولها في أ : نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وهي في الأنفال (٤٨).