عزوجل ـ (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أو كلام نحو هذا.
وعندنا أن قوله ـ عزوجل ـ : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) يخرج على ظاهر ما ذكر ؛ لأن الخلق : هو التقدير في اللغة كأنه قال ـ عزوجل ـ : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أي : قدركم جميعا على كثرتكم من أول ما أنشأكم إلى آخر ما ينشئكم من تلك النفس الواحدة منها قدرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها).
ثم أخرجنا منها ـ من تلك النفس ـ زوجها ، وإلا كان تقديره إيانا منها كان قبل [جعل] زوجها منها وهو الظاهر على ظاهر ما خرج الكلام ، والله أعلم. ثم كان منه خلق ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ).
ظاهر الإنزال هو أن ينزل من علو مرتفع إلى تسفل ومنحدر ، لكن اللغة لا تمتنع عن استعمال لفظ الإنزال لا على حقيقة الإنزال من علو إلى سفل ، يقال : نزل فلان بأرض أو بمكان كذا وإن لم يكن هناك منه نزول من علو إلى منحدر وسفل ، فعلى ذلك هذا ، وأصله أن كل حرف من حروف الإنزال وغيره مما أضيف إلى الله ـ عزوجل ـ مما يستقيم صرفه إلى خلقه أن المراد منه خلقه ؛ نحو قوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) [الأعراف : ٢٦] ، (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) [الحديد : ٢٥] وغير ذلك مما يكثر ذكره فهو خلقه إياه ؛ فعلى ذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) ، أي : خلق لكم من الأنعام ما ذكر على ما ذكر : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) ، أي : خلق لكم ما ذكر ، فعلى ذلك حرف الإنزال ، والله أعلم.
ثم ظاهر قوله : (مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) يجيء أن يكون على أحد وجوه ثلاثة :
إما ألا يسمي الأنعام ولا يكون إلا الثمانية الأزواج التي ذكر أنه خلقها لنا ، فإن كان على هذا فيكون حرف (مِنْ) هاهنا صلة ، كأنه قال ـ عزوجل ـ : «وأنزل لكم أنعاما وهي ثمانية أزواج».
أو أن يسمي كل ما خلق من الدواب : أنعاما ، إلا أنه لم يحل لنا منها إلا الثمانية الأزواج التي ذكر ، فإن كان هذا فيكون حرف (مِنْ) حرف تبعيض وتجزئة.
أو أن يسمي كل الدواب : أنعاما إلا أنه لم يحل لنا كل شيء منها من جميع أنواع الانتفاع بها من الأزواج التي ذكر ، فإنه قد أحل لنا كل شيء من هذه الأصناف الثمانية من لحومها وألبانها وأصوافها وكل شيء منها ، وأما ما سوى ذلك من الأنعام ، فإنه لم يحل لنا