على ما استوى وقبض بزّ الآخر و [منع] نفاذ أمره في سلطانه ، فإذا لم يمتنع ذلك دل أنه فعل واحد ، وكذلك ما ذكر من تسخير الشمس والقمر لهم ولمنافعهم وجريهما في يوم واحد مسيرة ألف عام ، أو ما ذكر من غير أن يعرف أحد سيرهما أنهما يسيران وقت سيرهما إلا بعد قطعهما ذلك ، دل أن لهما منشئا وأنه واحد ، ودل اتساقهما وجريانهما على سير واحد منذ كانا إلى آخر ما يكونان ويدوران على أن منشئهما واحد عالم مدبر عرف حاجة [الخلق] إليهما أبد الآبدين ومنافعهما بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى).
أي : كل مما ذكر يجري إلى الوقت الذي جعل له لا يتقدم ولا يتأخر ولا ينقطع ما كان بالخلق حاجة [إليه] ، والله اعلم.
أو إلى منازل معلومة لا يجاوزانها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ).
هو العزيز بذاته لا يتعزز بما ذكروا له من الأولاد ولا بطاعة من أطاعه ، الغفار لمن كان له أهلا للمغفرة ما لا يخرج مغفرته إياه عن الحكمة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ).
قال بعضهم : أي : يدخل أحدهما على الآخر ؛ كقوله : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ...) الآية [٦].
وقال بعضهم (١) : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ) أي : يغشي أحدهما بالآخر ؛ كقوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) [الأعراف : ٥٤].
وقال بعضهم : (يُكَوِّرُ) ، أي : يلف هذا بهذا ، وهو [من] يكور العمامة ، ومنه قوله : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ، أي : جمعت ولفت ، وأصل التكوير : اللف والجمع ؛ وهو قول أبي عوسجة والقتبي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها).
ظاهر هذا أنه خلقنا من تلك النفس قبل خلق زوجه منها ؛ لأن حرف (ثم) إنما هو حرف اتباع وإرداف وحرف ترتيب لا حرف جمع ، فإذا كان كذلك فظاهره يوجب ما ذكرنا ، لكن أهل التأويل اختلفوا في معنى ذلك وتفسيره :
ذكر عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في بعض الروايات أنه تأول في ذلك ، وقال : ـ
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٠٠٥٥) ، وعبد الرزاق وابن المنذر كما في الدر المنثور (٥ / ٦٠٣).