[و] في قوله ـ عزوجل ـ : (الْواحِدُ الْقَهَّارُ) دفع ما قالوا فيه وإحالة ذلك ؛ لما أخبر أنه واحد في الذات ، ولو كان كما ذكر هؤلاء من الولد ، لم يكن واحدا في الذات ؛ إذ كل محتمل الولد منه هو من شكل الولد ، فإذا عرفهم أنه واحد في الذات لم يحتمل الولد وما ذكروا.
وفي قوله ـ عزوجل ـ : (الْقَهَّارُ) دلالة إحالة ذلك ؛ لأنه أخبر أنه قهار ، والولد في الشاهد إنما يتخذ لأحد وجوه :
إما لوحشة أصابته فيستأنس [به].
وإما لحاجة تمسه فيدفع بالولد ذلك.
وإما لغلبة شهوة فيقضيها فيتولد من ذلك الولد.
وإما لوارثه ملكه بعد موته ، وهو دائم باق لا يزول ملكه أبدا.
وإما للاستعانة والنصرة على أعدائه.
لأحد هذه الوجوه [التي] ذكرنا يحتاج المرء إلى اتخاذ الولد ، [والله] قادر بذاته قاهر غني لا يحتمل ما ذكروا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ).
يحتمل قوله : (بِالْحَقِ) ، أي : بالحق الذي لله عليهم ، ولما لبعض على بعض من الحق.
أو أن يكون قوله : (بِالْحَقِ) أي : للحق ، وهو البعث ما لو لم يكن البعث ، لكان خلقهما عبثا باطلا على ما ذكر في آية أخرى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) [ص : ٣٨] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥].
وجائز أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ،) أي : بالحكمة ، وهو أن جعل في خلقة كل شيء أثر وحدانيته وألوهيته ما يعرف كل أنه فعله وإن لم يشاهد خلقه ، وهو على ما يكون ذلك في فعل أحد من الخلائق أثر معرفة فاعله ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) ، كما ذكر في آية أخرى : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) [الحديد : ٦] يذكر دلالة وحدانيته ؛ حيث جعل منافع الليل متصلة بمنافع النهار ، ومنافع النهار متصلة بمنافع الليل ، على اختلافهما وتناقضهما وتضادهما ؛ ليعلم أنهما فعل واحد ، وكذلك ما جعل من منافع السماء متصلة بمنافع الأرض على بعد ما بينهما ؛ ليعلم أن منشئهما واحد ، إذ لو كان عددا لامتنع ذلك ؛ إذ العدد المعروف من عادة الملوك انفراد كل بملكه وسلطانه ، والاستيلاء