فعل كفر وكذلك [لا يخلق] فعل من هو فعل هدى فعل كفر ، ولكن يخلق كل فعل على ما يفعله الفاعل ويختاره : يخلق فعل الكافر كفرا وفعل المهتدي فعل هدى ، يخلق كل فعل على ما يختاره الفاعل ويفعله : إن كان هدى يخلقه هدى ، وإن كان كفرا يخلقه كفرا.
وقال بعض أهل التأويل : إن الله لا يهدي من كان في علمه أن يختم بالكفر ويخرج به من الدنيا ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) يحتمل وجهين :
أحدهما : من هو كاذب كفار على رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
والثاني : كفار أنعم الله ، وكاذب في القول ، كفار في الفعل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ).
ظاهر هذا أن إيجاد الولد له من المحتمل والممكن ليس من الممتنع ، وكذلك ظاهر قوله : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) ، ظاهر هذا الذي ذكر هو من المحتمل والممكن وكان [من] الممتنع أيضا ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) [مريم : ٩٠ ، ٩١] دلت هذه الآيات على أن إيجاد الولد من الممتنع والعظيم في العقول والقلوب جميعا.
ثم قوله : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ).
أي : لو جاز أو احتمل إيجاد الولد على ما تقولون أنتم وتتوهمون ، لاصطفى واختار مما يشاء ، هو [ما] شاء ، ليس على ما تختارون أنتم له وتشاءون : أن الملائكة بنات الله على ما تزعمون ؛ لأن العرف في الخلق أن من اتخذ لنفسه شيئا إنما يتخذ من أعز الأشياء وأرفعها وأعظمها قدرا عندهم ، لا من أخس الأشياء وأذلها ؛ وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) [الصافات : ٩١] أي : إلى آلهتهم التي اتخذ أولئك آلهة في الحقيقة ، ولكن سماها بالذي عندهم ، وكذلك قول موسى ـ عليهالسلام ـ : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) [طه : ٩٧] ، أي : انظر إلى الذي اتخذته إلها سماه على ما هو عنده ؛ فعلى ذلك قوله ـ عزوجل ـ : (لَوْ أَرادَ اللهُ) على ما في ظنونكم وتوهمكم أنه اتخذ الولد لاختار مما ذكر لا مما تقولون أنتم ، لو احتمل ذلك على ما في ظنكم وحسبانكم لكان مما ذكر.
والثاني : مبنى الاتخاذ راجع إلى البنين إذ كانت الكفرة ينسبون الملائكة إلى أنهم بناته ؛ لما عرفوا من كرامتهم على الله ـ عزوجل ـ وقربتهم عنده ، وينسبونه إلى أنهم بناته ، وإلى أن عيسى ابنه [و] إنما يتخذ الأولاد ويتبنى ليستنصروا بهم ، فبرأ الله ـ عزوجل ـ نفسه على احتمال الشكل وخوف الغلبة ، فقال : (سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ).