الأصنام التي عبدوها ، وهو ما قال ـ عزوجل ـ : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٦٧] ، ونحو ذلك ما ابتلاهم بالشدائد والبلايا عرفوا أن معبودهم الذي عبدوه لا يملك دفع ذلك عنهم ولا كشفه ، وإنما المالك لذلك هو الله المعبود الحق.
ثم تناقض قولهم ؛ لأنهم كانوا ينكرون رسالة النبيين بقولهم : (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤] فيرون للخشب والأشجار الألوهية والعبادة ، فذلك تناقض ظاهر.
قال بعضهم (١) في قوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) أي : مقربة فيشفعون لنا إلى الله تعالى.
وقوله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ، وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ).
قال أبو بكر : لا يهدي أحدا بالضلال والكفر ، ولكن إنما يهدي بضد الضلال والكفر ، أو كلام نحوه.
وقال الجبائي : لا يهدي طريق الجنة في الآخرة ، أي : لا يهدي من كان في الدنيا كاذبا كفارا في الآخرة طريق الجنة.
وجائز أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) من صلة قوله ـ عزوجل ـ : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) و (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] كفار لنعمه بصرفهم العبادة إلى غير المنعم.
وقال جعفر بن حرب : إن الله لا يهدي إلى الزيادات التي يهدي ويعطي من اختار الهدى ؛ لأنه يقول : إن من اختار الهدى واهتدى كان عند الله لطفا ورحمة يعطي ذلك زيادات وفضل زيادة على ما كان اختاره ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد : ٤٧].
هذه التأويلات كلها للمعتزلة ، وأما عندنا فإن قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) من هو في علمه أنه يختار الكفر وقت اختياره الكفر والضلال ، أي : لا يوفقه للهدى ولا يعينه وقت اختياره الكفر ، ولكنه يخذله ؛ وكذلك يقول في قوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) و (الْكافِرِينَ) ونحوه أي : لا يهديهم وقت اختيارهم الكفر والظلم ، والله الموفق.
والثاني : (لا يَهْدِي) ، أي : لا يخلق فعل من هو فعل كفر فعل هدى ، ولكن يخلقه
__________________
(١) قاله ابن زيد أخرجه ابن جرير (٣٠٠٥٢).