وإحدى الشفتين ، وكذلك كل شيء منه في تلك النطفة من العينين واليدين والرجلين والبصر وكل الجوارح ما لو اجتمع الحكماء جميعا حكماء البشر لم يعرفوا كون شيء من الجوارح والنفس وتقديرها من تلك النطفة وتصويرها منها ؛ ليعلم أنه قادر على خلق الأشياء من شيء ومن لا شيء وبسبب وبغير سبب وما جعل من الأسباب لبعض الأشياء لم يجعلها استعانة منه بها على إنشاء ذلك ، وأن من قدر على تقدير ما ذكر وتصويره في الظلمات التي ذكر على السبيل التي ذكر ، فإنه لا يخفى عليه شيء ولا يعجزه شيء ، يحتج عليهم لإنكارهم البعث وإنكارهم بعث الرسل والحجج ، يخبر أن من فعل ما ذكر من تغييرهم من حال إلى حال وتحويلهم من صورة إلى صورة أخرى أنه لا يفعل ذلك ليتركهم سدى لا يأمرهم ولا ينهاهم ولا يمتحنهم ، ثم إذا امتحنهم لا يحتمل ألا يبعثهم ؛ ليجزي المسيء منهم والعاصي جزاء الإساءة والعصيان والمحسن منهم والمطيع جزاء الإحسان والطاعة ؛ لأنه قد سوى بينهم في هذه الدار وفي الحكمة ، والعقل [يقتضي] التفريق بينهما فلا بد من دار أخرى يفرق بينهما [فيها] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ).
يحتمل (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) أي : ذلكم الله الذي ذكر من تقديركم وتصويركم في ظلمات تلك النطفة هو ربكم الذي فعل ذلك.
أو أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) أي : جميع ما ذكر من قوله ـ عزوجل ـ : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ) ، وما ذكر من تسخير الشمس والقمر وجريانهما على سنن واحد وعلى قدر واحد ، وما ذكر من خلقنا جميعا من تلك النفس الواحدة إلى آخر ما ذكر ، يقول : ذلكم الله الذي فعل [ذلك] كله هو ربكم (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أي : فأنى تصرفون عبادتكم إلى غيره ، أو فأنى تصرفون ألوهيته وربوبيته إلى غيره وتجعلون له شركاء وأعدالا ، وقد تعلمون أن الذي فعل ذلك كله هو الله الواحد الذي لا شريك له ولا مثل.
أو يذكر أن ما ذكر من النعم التي أعطاكم وأسدى إليكم هو ربكم الذي خلقكم ، فكيف تصرفون شكرها إلى غيره ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ).
روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) أي : تكفرون دين الله الإسلام ولم تسلموا فإنه لا يقبل منكم ، (وَإِنْ تَشْكُرُوا) أي : وإن تسلموا