(يَرْضَهُ لَكُمْ) أي : يقبل منكم ؛ كقوله : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران : ٨٥].
وقال غيره : أي : إن تكفروا دينه فإن الله غني عن عبادتكم ، (وَإِنْ تَشْكُرُوا) ، أي : توحدوه (يَرْضَهُ لَكُمْ) من الأول.
وجائز أن يكون قوله : (إِنْ تَكْفُرُوا) النعم التي عدها عليكم فيما تقدم ذكرها من قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ) ، وقوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ...) إلى آخر ما ذكر من النعم يقول : إن تكفروا هذه النعم التي عدها عليكم فإنه غني عنكم ، وإن تشكروا ما عد عليكم من النعم يقبل ذلك منكم ، والله أعلم.
وأصله أن الله ـ عزوجل ـ بين سبيل الهدى ورغبهم إليه ، وبين سبيل الضلال وحذرهم عنه ، ثم بين أن من سلك سبيل الهدى فله كذا ومن سلك سبيل الضلال فله كذا ، [و] أفضى إلى كذا.
أو أن يقول : إن من سلك سبيل الهدى يرضى لنفسه عاقبة السبيل الذي سلك فيه ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ. لِسَعْيِها راضِيَةٌ) [الغاشية : ٨ ، ٩] ، ومن سلك سبيل الضلال والكفر يمقت ذلك السبيل في العاقبة ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) [غافر : ١٠] أخبر أنهم يمقتون أنفسهم إذا نودوا وعرفوا أنهم أخطئوا الطريق ، وبالله العصمة.
وذكر في حرف عبد الله بن مسعود : والله يكره لعباده الكفر ، وقوله : (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) ، وكذلك ذكر هذا في حرف أبي وحفصة خاصة.
وأصل قوله : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) إخبار أنه لم يأمركم بما أمركم به ولا نهاكم عما نهاكم عنه لحاجة نفسه أو لمنفعة له في ذلك ، ولكن إنما امتحنكم بما امتحنكم لحاجة أنفسكم ولمنفعتكم ولدفع الضرر عنكم ؛ وكذلك ما أنشأ من الأشياء لم ينشئها لحاجة نفسه ولا لمنفعة له ، ولكن إنما أنشأها لكم ولمنافعكم.
وكذلك نقول : لم ينشئها لأنفسها حتى إذا أتلف شيئا منها عوضها بدلها على ما تقول المعتزلة أن ليس لله أن يتلفها إلا أن يعوضها عوضا بإزاء ذلك ، ولكن إنما أنشأها لكم لليسر ولهم يعزر من أتلف شيئا منها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).
ذكر هذا ـ والله أعلم ـ جوابا لقولهم حيث قال ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ ...) الآية [العنكبوت : ١٢] ، أخبر أن لا أحد يحمل وزر آخر ، ولكن يحمل وزر نفسه.