أعلم.
ثم الحكمة في ذكر هذا وأمثاله لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يحتمل وجوها :
أحدها : يصبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم على سوء معاملتهم إياه ، كما حكى (١) عن سوء معاملتهم ولم يستأصلهم على أثر ذلك وذلك أعظم في العقل.
أو يخبر الأواخر عن سوء معاملتهم ربهم ليحذروا عن مثل معاملتهم ربهم.
أو يخبر عن حلمه أن كيف عاملهم فاحلم أنت ، والله أعلم.
وقرئ : (لِيُضِلَ) و (لِيُضِلَ) فيه ثلاث (٢) لغات.
وقوله : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ).
قال بعضهم : هذه الآية صلة ما تقدم من قوله : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) يقول : الذي تضرع إلى الله ، وأخلص دينه له ، نسي ذلك وتركه إذا خول ذلك نعمة ، وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله ـ كالذي هو قانت ـ أي : مطيع لله ـ آناء الليل والنهار يحذر عذابه ويرجو رحمته ، ليسا بسواء عندكم : الذي أطاع الله في جميع أوقاته حاذر تقصيره في ذلك راج رحمته لطاعته ، والذي عصى ربه ولم يطعه ، فإذا عرفتم أنهما ليسا بسواء ثم رأيتم أنهما قد استويا في نعم هذه الدار وسعتها وشدائدها وفي الحكمة التفريق بينهما ، فلا بد من دار أخرى يفرق بينهما فيها يثاب المحسن المطيع جزاء إحسانه وطاعته ، ويعاقب الكافر الظالم جزاء كفره وظلمه ، والله أعلم.
ومنهم من يجعل لهذه الآية مقابل لكنه يقول : مقابلها ليس الأول ، ولكن لم يذكر لها مقابل ويقول على ما عرفتم أنه لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم ، فعلى ذلك لا يستوي الذي أطاع ربه آناء الليل وأجهد نفسه في عبادة الله [و] الذي عصى ربه وكفر نعمه ، وقد ظهر الاستواء بينهما في هذه الدنيا فلا بد من التفريق بينهما في دار أخرى ، ولو لم يكن دار أخرى فيها يفرق ويميز ، لكان خلق هذا العالم على ما كان باطلا سفها غير حكمة ، والله أعلم.
وقوله : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ).
أي : يحذر عذاب الآخرة ، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود أنه قرأه : يحذر عذاب الآخرة (٣).
__________________
(١) وهي قراءة سعيد بن جبير كما في الدر المنثور (٥ / ٦٠٥) ، وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد.
(٢) في أ : حكم.
(٣) كذا في أ.