وقوله : (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) دلت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الرجاء والحذر يرجو رحمته لا عمله ويحذر عذابه لتقصيره في عمله.
ثم الرجاء إذا جاوز حده يكون أمنا ، وقد قال الله ـ عزوجل ـ : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) [الأعراف : ٩٩] ، والخوف إذا جاوز حده يكون إياسا ، وقد قال الله ـ تعالى ـ : (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [يوسف : ٨٧] ، ويجب أن يكون المؤمن كما ذكر ـ عزوجل ـ : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) [السجدة : ١٦] ، و (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) [الأنبياء : ٩٠] لا يجاوز أحدهما.
وجائز أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) ، أي : جنته على ما سمى الجنة : رحمة في غير موضع ؛ لما برحمته تنال هي ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ).
في معرفة نعم الله والقيام بشكره ، والحذر عن عصيانه وعذابه.
وقوله : (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).
في كل ذلك ، جوابه أن يقال : لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، وهو ما قال ـ عزوجل ـ : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨].
وقوله : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ).
إنما يتذكر بمواعظ الله أولو العقول والبصر والمعرفة ، والله أعلم.
وقوله : (آناءَ اللَّيْلِ) أي : ساعات الليل ، و (قانِتٌ) أي : مطيع ، وأصل القنوت هو الطاعة ، وقيل (١) : القنوت : القيام ، وهو القيام في الطاعة ، والله أعلم.
وفي قوله : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) دلالة جواز الإرجاء ؛ لأنه لم يقطع على أحدهما دون الآخر ؛ وكذلك في قوله تعالى : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) [السجدة : ١٦] ، وفي قوله : (رَغَباً وَرَهَباً) [الأنبياء : ٩٠] ، وفي القطع على أحدهما كفر على ما ذكرنا من قوله : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ) [الأعراف : ٩٩] و (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [يوسف : ٨٧] ؛ إذ المجاوزة في الخوف إياس ، والمجاوزة في حد الرجاء أمن وقد ذكرنا أنه كفر.
وقوله : (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ).
يحتمل قوله : (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) وجوها :
اتقوا سخط ربكم.
أو اتقوا نقمة ربكم.
__________________
(١) قاله ابن عمر أخرجه ابن جرير (٣٠٠٨٧).