أو اتقوا مخالفة ربكم ونحوه.
وأصل التقى : ما تهلكون ، أي : اتقوا مهالككم ، والله أعلم.
وقوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ).
قال عامة أهل التأويل : للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة لهم في الآخرة.
وجائز أن يكون لهم الحسنة في الدنيا و [في] الآخرة حسنة ؛ [كقوله :] (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ...) الآية [يوسف : ١٠٩] ؛ وكقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ).
ثم يحتمل الحسنة وجها آخر : استغفار الملائكة لهم والأنبياء ـ عليهمالسلام ـ لأن الله ـ عزوجل ـ امتحن ملائكته على استغفار المؤمنين والمؤمنات ؛ كقوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٥] ، وكذلك امتحن رسله بالاستغفار للمؤمنين ، وكذلك المؤمنون يستغفر بعضهم لبعض ونحوه.
وقوله : (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ).
ذكر هذا ـ والله أعلم ـ لأن من آمن منهم بمكة كانوا يظهرون الموافقة لأعدائهم ويقيمون فيما بينهم ، وكانت لهم أسباب التعيش في بلدهم ولم يكن لهم تلك في بلد غيرهم ، فخافوا الضياع إذا هم خرجوا من بلدهم فيهاجروا منها إلى غير بلدهم فيمتنعون عن ذلك ، فجاءت الآية على الترجي والإطماع لهم بمثل ذلك التعيش وأسبابه في غير ذلك البلد ، وهو ما ذكر في آية أخرى ، وهو قوله : (الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) [النساء : ٩٧] لم يقدروا في تركهم الهجرة وإظهارهم الموافقة للأعداء ، ولهم طاقة ووسع التحول من بلدهم إلى بلد غيرهم ، إلا من لم يكن به طاقة الخروج من بينهم وهم الذين استثناهم وهو قوله : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ ...) الآية [النساء : ٩٨] ، والله أعلم.
و [يحتمل] قوله : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) ، وجوها :
أحدها : (بِغَيْرِ حِسابٍ) أي : بغير تبعة ولا مئونة ؛ كقوله : «من نوقش الحساب عذب».
أو (بِغَيْرِ حِسابٍ) أي : لا يحاسبون ؛ لما ليس وراء تلك الدار الآخرة دار أخرى يحاسبون فيها ما أعطوا في الآخرة ليس كدار الدنيا يحاسب من أوتوا فيها في الآخرة ، وأما ما أعطوا في الآخرة فلا يحاسبون في غيرها.
ويحتمل (بِغَيْرِ حِسابٍ) ، أي : غير مقدر بالحساب ، ولكن أضعافا مضاعفة.
ويحتمل (بِغَيْرِ حِسابٍ) ، أي : بلا نهاية ولا غاية ، والله أعلم.
ثم الصبر : هو حبس النفس إما على أداء ما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه ، أو