والثاني : لكي يبلغهم ما يتذكرون ويتعظون.
وقوله : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) أي : جعلناه قرآنا عربيّا ؛ كقوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [يوسف : ٢] لكي يفقهوه ويعرفوه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ...) الآية [إبراهيم : ٤].
وقوله : (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه لا يخالف الكتب السالفة ؛ بل يوافقها ؛ لأن كتب الله جاءت كلها على الدعاء إلى توحيد الله وربوبيته ، فكذلك القرآن ، فهو لا يخالف سائر الكتب ؛ بل يوافقها.
والثاني : لا عوج فيه ؛ لما لا يخالف بعضه بعضا ، ولا يناقض ؛ بل خرج كله موافقا بعضه بعضا مستقيما على تباعد نزوله في الأوقات ، وبالله التوفيق.
وأصله : (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) أي : ليس بمائل ولا زائغ عن الحق.
وقوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي : يتقون المهالك ، أو سخط الله ونقمته.
وقوله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) أي : لا يستويان.
يشبه أن يكون ما ذكر من المثل لرجلين من البشر كله : المسلمون والكافرون ، ثم يحتمل الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون ؛ أي : يتشاكسون في نسبه ، يدعي كل نسبه.
أو يتشاكسون في الملك فيه ، يقول كل : هو لي أو في الملك في قوم يدعي كل أن الملك له فيه.
أو يدعي كل أن الملك فيهم ، ولا يثبت لواحد منهم النسب فيه لينتسب هو إلى واحد منهم ، فيبقى متحيرا تائها ؛ ولذلك لا يثبت لواحد منهم الملك الذي يدعي ؛ ليطلب هذا منه النفقة ، وما يجب على ذي الملك من حقوق الملك ، فسعى ضائعا متحيرا ، وإذا كان الملك لرجل واحد ، أو النسب أو الملك سالم له يصل إلى كل حق له ، ويكون محفوظا في نفسه معروفا ، فيكون مثل الذي فيه شركاء متشاكسون ، هو الذي يعبد الشيطان أو الأصنام ، أو هوى النفس ، يدعو كل شيطان إلى غير الذي دعا الآخر ، وكذلك الهوى يدعو صاحبه مرة إلى كذا ، ومرة إلى غير ذلك ، فهو كالذي فيه شركاء متشاكسون يدعي هذا وهذا ، والذي يعبد إله الحق الذي يثبت ألوهيته بالحجج والآيات كالرجل السالم الواحد يكون أبدا على حالة واحدة ، مطيعا لله ، خالصا له.
وقوله : (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) أي : هل يستوي الرجل الذي يدعي فيه شركاء متشاكسون والرجل الذي يكون لرجل واحد ، فيما ذكرنا؟! أي : لا يستويان.