وقال أهل التأويل (١) : (هَلْ يَسْتَوِيانِ) من يعبد آلهة شتى مختلفة ، والذي يعبد ربّا واحدا ، وهو المؤمن ، وقد رأوا أنهم قد استووا [في] هذه الدنيا ، وفي الحكمة التفريق بينهما ، وفيه دلالة البعث ، وكذلك في قوله : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ) [هود : ٢٤] وقد استووا في هذه الدنيا دل أن هنالك دارا أخرى يفرق بينهما [فيها] ؛ إذ في الحكمة والعقل التفريق بينهما ، والله أعلم.
وقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ذكر الحمد على أثر ذلك يخرج على وجهين :
أحدهما : أن يحمد ربه على ما خصه بالتوحيد من بين الكفار (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) توحيد ربهم.
والثاني : أمره أن يحمد ربه على ما جعله سالما خالصا ؛ لم يجعل فيه شركاء متشاكسين.
قال أبو عوسجة والقتبي : (شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) أي : مختلفون ، يتنازعون ، ويتشاحّون (وَرَجُلاً سَلَماً) أي : خالصا.
ومن قرأ سلاما لرجل أراد : سلم إليه ، فهو سلم (٢).
ثم قوله : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) يحتمل الأنبياء منهم والخواص ؛ كقوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨].
وجائز أن يكون أراد جميع المؤمنين ، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود : تقشعر منه جلود الذين يؤمنون بربهم ثم تطمئن جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله وفي حرف حفصة : ثم يثبت جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله.
وقال بعضهم في قوله ـ عزوجل ـ : (يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) : يقول ـ والله أعلم ـ : ليس الضال الذي يتقي النار بوجهه كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه ؛ ليسا بسواء ؛ على ما ذكرنا.
(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) وجه ذكر هذا على أثر ما تقدم من قوله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) وقد استووا في هذه الدنيا من أخلص نفسه ودينه لله وللرسول ، ومن جعل فيه شركاء ولم يسلم نفسه له ، وهو الكافر ، ثم تموت أنت ويموتون هم ، فلو لم تكن دار أخرى يميز فيها ويفرق بين الذي جعل نفسه
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٠١٣٢) ، وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٥ / ٦١٢).
(٢) هي قراءة ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٠١٢٩).