أو أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) لما بلغت المحاجة غايتها في الدين والدنيا ، ولم تنجع فيهم ولا قبلوها أخبر أنهم يختصمون في ذلك يوم القيامة في الوقت الذي يعاينون العذاب ، ويظهر لهم الحق ، فينقادون لها في ذلك الوقت ، فلا ينفعهم ذلك ، والله أعلم.
وفي حرف ابن مسعود : إنك مائت وإنهم مائتون والعرب تقول : مات يمات فهو مائت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ) يقول : لا ظلم أعظم ولا أفحش مما يكذب على من يتقلب في إحسانه ، ويتصرف في نعمائه ، وأنتم تتقلبون في نعم الله وأنواع إحسانه ، فلا ظلم أعظم ولا أفحش من الكذب عليه.
(وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ) ولا ظلم أعظم وأفحش من تكذيب خبره ورده ؛ إذ لا خبر أصدق من خبره ، ولا حديث أحق من حديثه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) كأنه يقول : أليس جهنم كاف للكافرين مثوى ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها) [المجادلة : ٨] أي : حسبهم جهنم عقوبة لهم بكفرهم وتكذيبهم ، والله أعلم.
وقوله : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) اختلف أهل التأويل فيه :
قال بعضهم (١) : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) : جبريل ، عليهالسلام ، (وَصَدَّقَ بِهِ) : محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقال بعضهم (٢) : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) : محمد (وَصَدَّقَ) أبو بكر.
وقال بعضهم (٣) : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) محمد (وَصَدَّقَ) أصحابه جميعا.
قلنا : أهل التأويل على اختلافهم اتفقوا أن الذي جاء به جبريل أو محمد هو التوحيد ، فإن كان التأويل ما ذكر أهل التأويل ، فعلى ذلك قوله : (ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) أي : الموحدين ، ففيه نقض قول الخوارج والمعتزلة أنّ صاحب الكبيرة ليس بمؤمن ، وأنه يخلد
__________________
(١) قاله السدي أخرجه ابن جرير (٣٠١٤٧) ، وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٥ / ٦١٥).
(٢) قاله علي بن أبي طالب أخرجه ابن جرير (٣٠١٤٤) ، والباوردي في معرفة الصحابة كما في الدر المنثور (٥ / ٦١٥).
(٣) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٠١٤٥) وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٥ / ٦١٥).