فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١) اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(٤٢)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) و (عِبادِهِ) أيضا.
الآية يحتج بها على إثبات الرسالة ، وكذلك قوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [التوبة : ١٢٩] ، وكذلك قوله : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) [آل عمران : ١٦٠] ، ونحو ذلك ، وأمثاله كثير ؛ لأنه بعثه وحده ، لا عون معه ، ولا نصر له من البشر رسولا إلى الأعداء ، وكان يقرع أسماعهم بهذه الآيات التي ذكرنا ، وغير ذلك من قوله : (ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) [الأعراف : ١٩٥] ثم لم يقدروا على إهلاكه ؛ بل عصمه من كيدهم ومكرهم ؛ على ما قال : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] فبلغ إليهم ما أمر بتبليغه من غير أن قدروا على ما قصدوا به ، وفي ذلك لطف من الله عظيم ، ودلالة على إثبات الرسالة.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) وإن خرج مخرج الاستفهام في الظاهر فهو ـ في الحقيقة ـ على الإيجاب والتقرير ؛ لأنهم كانوا يعلمون أن الله ـ عزوجل ـ هو الكافي لخلقه ، من ذلك أنهم إذا سئلوا : من خلق السموات والأرض؟ قالوا : الله ـ تعالى ـ وإذا سئلوا من يرزقكم؟ قالوا : الله ـ تعالى ـ ومن أنزل من السماء ماء؟ ومن أخرج من الأرض النبات؟ ونحو ذلك ـ قالوا : الله ، فعلى ذلك قوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) أي : تعلمون أن الله هو الكافي لجميع خلقه في الدفع والذبّ عنهم ، والنصر لهم ، فإذا عرفتم ذلك فكيف تخوفون رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالذي تخوفونه؟ والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) ، اختلف فيه :
قال بعضهم : بأهل الأرض جميعا ، يقولون له : إن العرب تفعل بك كذا ، ويعملون بك كذا ، كانوا يخوفونه بهم.
وقال بعضهم (١) : كانوا يخوفونه بالأصنام التي كانوا يعبدونها أن يصيبه سوء وأذى من ناحيتها ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) [هود : ٥٤] وكأن هذا أشبه بالآية ؛ لأنه ذكر على إثر ذلك وعقبه الأصنام ؛ حيث قال ـ عزوجل ـ : (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) هذا يدل أن ما ذكر من تخويفهم إياه إنما كان بالأصنام التي كانوا يعبدونها.
__________________
(١) قاله السدي أخرجه ابن جرير (٣٠١٥٥) وهو قول قتادة وابن زيد.