وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ. وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) أخبر أنه إذا أراد هداية أحدكم لم يملك أحد إضلاله ، وإذا أراد إضلال أحد لم يقدر أحد على هدايته ، ذكر في الدين أن لا أحد يملك دفع ما أراد من هدى أو ضلال ، ولا منعه على ذلك ؛ على ما ذكر في الرزق وأسباب العيش ، وعلى ما ذكر في الأنفس وحفظها ؛ حيث قال : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ) [فاطر : ٢] ، وقال في الأنفس : (إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) ، وقد اجتمعوا في ذلك في الرزق والعيش وضرر الأنفس وحفظها أن لا أحد يملك دفع ما أراد هو ، فعلى ذلك في الدين ؛ لأن الذكر خرج في الكل على مخرج واحد ، وذلك على المعتزلة لقولهم : إن الله ـ تعالى ـ قد أراد هداية كل أحد ، ونصر كل ولي ، لكن غيره منعه عن ذلك ؛ فهو وحش من القول سمج ، وبالله العصمة والنجاة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ) هو على الإيجاب والتقرير ؛ أي : يعلمون أنه عزيز ذو انتقام ؛ أي : عزيز لا يعجزه شيء ، ذو انتقام لأوليائه من أعدائه.
وقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) قد علموا أن لا خالق سواه ، وعرفوا أنه لا يملك أحد سواه كشف ما أراد هو من الضرر بأحد ، ولا إمساك ما أراد من الرحمة بأحد ؛ ولذلك فزعوا إليه عند نزول البلاء بهم ، ولم يفزعوا [إلى] من عبدوهم من دونه من الأصنام ، ولا إلى أحد من الخالقين ؛ دل ذلك على أنهم قد عرفوا أن ذلك به ينال من خير أو غيره ؛ ولذلك فزعوا إليه عند نزول البلاء بهم ، ولم يفزعوا [إلى من عبدوهم من دونه من الأصنام] ، احتج عليهم بما احتج ، ولو لم يكونوا علموا بذلك لم يكن ليحتج عليهم بذلك ، وهم لذلك منكرون ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) في قوله : (حَسْبِيَ اللهُ) ما ذكرنا من اللطف والدلالة على إثبات الرسالة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : على الإياس منهم أنهم لا يؤمنون ولا يجيبون إلى ما دعوا إليه بعد ما أقيم عليهم الحجج والبراهين ؛ كأنه يقول : اثبتوا أنتم على دينكم واعملوا له ، ونثبت نحن على ديننا ونعمل له ، فسوف تعلمون أينا على الحق نحن أو أنتم؟ وهو كقوله : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : ٦] أي : لا أدين أنا بدينكم ، ولا أنتم تدينون بديننا ، ولكن يلزم كل منا