دينه الذي عليه ، فعلى ذلك الأول.
والثاني : على التوبيخ لهم والتعيير ؛ يقول : اعملوا على مكانتكم أنتم مما تقدرون من الكيد لي والمكر ، وأنا عامل ذلك بمكانتكم ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) [الأعراف : ١٩٥] وغير ذلك من الآيات التي فيها ذكر توبيخهم وتعييرهم ، والله أعلم.
وفي هذه الآية وفيما تقدم من قوله ـ عزوجل ـ : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) إلى هذا الموضع تقرير وتوبيخ ومنابذة وإياس ، فأما الإياس فهو في قوله : (يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) والتقرير في قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) والمنابذة في قوله : (حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) ، والتوبيخ في قوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ).
ثم جائز أن يكون قوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ. وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) يخرج على الصلة بقوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) كأنه يقول : من أضله الله حتى لا يعلم أن الله هو كاف عبده ، وأن ما يخوفونه به لا يقع به خوف ولا يلحق به ضرر ـ فلا هادي له ، ومن هداه فعرف ذلك ، فلا مضل له عن ذلك ، والله أعلم بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) جائز أن يكون ذلك العذاب الذي يأتيه هو عذاب في الدنيا من نحو القتل والتعذيب بالذي أهلك الأولون المعاندون للرسول (يُخْزِيهِ) أي : يفضحه (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) في الآخرة ، وهو عذاب الكفر ، وإلى ذلك ذهب بعض أهل التأويل.
وجائز أن يكون ذلك كله في الآخرة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِ) هذا كأنّه ـ والله أعلم ـ : إنا أنزلنا عليك [الكتاب] لتحكم بين الناس بالعدل ؛ على ما ذكر في آية أخرى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) [النساء : ١٠٥] فعلى ذلك هذا ، ويكون قوله : (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أنشأ الله ـ عزوجل ـ البشر دراكا مميزا بين الخبيث والطيب ، وبين الحسن والقبيح ، وبين ما لهم وما عليهم ، وبين السبيلين جميعا غاية البيان ، وأوضح كل سبيل نهاية الإيضاح ، من سلكه أنه إلى ما ذا يفضيه وينهيه ، ثم امتحنهم في ذلك ، ومكن لهم من السلوك في كل واحد من السبيلين بعد البيان منه أنه من سلك سبيل كذا أفضاه إلى كذا ، ومن سلك سبيل كذا أفضاه إلى كذا ؛ امتحانا منه ، ثم أخبر أنه