فيما امتحنهم لم يمتحنهم لمنفعة ترجع إليه ، أو لمضرة يدفع عن نفسه ، ولكن إنما امتحنهم لمنفعة ترجع إليهم إذا اختاروا ترك سلوك سبيل الباطل ، وهو ما ذكر في غير آي من القرآن ، إحداها هذه ؛ حيث قال : (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها).
والثانية : بما قال ـ عزوجل ـ : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧] أي : فعليها ، وغير ذلك من الآيات التي تبين أنه إنما امتحنهم لمنفعة أنفسهم واكتساب الخير الدائم لهم ، ولا قوة إلا بالله.
ثم قوله : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) يخبر أن ليس عليك إلا تبليغ ما أرسلت وأمرت بتبليغه إليهم ؛ كقوله : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى : ٤٨] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) [النور : ٥٤] ، وقوله ـ تعالى ـ : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٥٢] ، وقوله : (وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) [النساء : ٨٠] والوكيل : الحفيظ ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ...) إلى آخر ما ذكر.
قال ابن عباس (١) ـ رضي الله عنه ـ : كل نفس لها سبب تجري فيه ؛ فالتي قضي عليها الموت فتجري في الجسد كله.
لكن لم يفهم مما ذكر ابن عباس تأويل الآية.
وعن سعيد بن جبير (٢) قال : يجمع بين أرواح الأحياء وبين أرواح الأموات فيتعارف ما شاء الله أن يتعارف ، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجسادها ، وبهذا ـ أيضا ـ لم يفهم شيء من تأويل الآية.
وقال الكلبي : النائم متوفى حتى يرد الله إليه [روحه] ، فأما التي يتوفاها حين موتها فإنه يقبض الروح والنفس جميعا ويرسل التي يتوفاها في منامها حتى تبلغ أجلها المسمى ، وهو الموت.
ويقال : إنما يقبض الله من النائم النفس ، والروح في الجسد لم تفارقه ، فإذا قبض الله الروح ذهبت النفس مع الروح.
وهذا الذي ذكره الكلبي أقرب إلى تأويل الآية من الذي ذكره أولئك ، وأصله : أنّ الله ـ عزوجل ـ جعل في الأجساد أشياء وأرواحا يحيي الأجساد في حال نومها على الهيئة التي كانت من قبل ، ليس بها أثر الموت ، لكنها لا تدرك شيئا ، ولا تسمع ، ولا تبصر ، ولا تعقل شيئا ، وبها آثار الحياة ؛ يدلنا هذا على أنها في حال النوم قد ذهب منها ،
__________________
(١) أخرجه عبد بن حميد كما في الدر المنثور (٥ / ٦١٧).
(٢) أخرجه ابن جرير (٣٠١٦١).