دون الله ، إلا من جعل الله له الشفاعة ، ولا يجعل الله لأحد الشفاعة إلا من كان له عند الله عهد ، أو من ارتضى له الشفاعة ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) [مريم : ٨٧] ، وقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] ، يدل على هذا قوله ؛ حيث قال : (أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ).
[وقوله :] (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً).
هو ما ذكرنا : هو المالك الشفاعة جميعا ، لا يملك أحد سواه إلا من جعل الله له الشفاعة وارتضى له ، فأمّا أن يملك أحد سواه اتخاذ الشفاعة لنفسه ، أو جعل الشفاعة لنفسه فلا ، والله الموفق.
وقوله : (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
في البعث ، أو يرجعون إلى ما أعدّ الله لهم ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ).
قال بعض أهل التأويل (١) : إذا ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم توحيد الله في القرآن (اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) ، أي : نفرت ؛ كقوله ـ عزوجل ـ في بني إسرائيل : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) [الإسراء : ٤٦] ، وإذا ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم الذين عبدوا من دونه الآلهة ؛ كقوله في سورة النجم ؛ حيث قال : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) [النجم : ١٩ ، ٢٠] ، وألقى الشيطان في فمه : «تلك الغرانيق العلى ، منها الشفاعة لترتجى» ؛ ففرح الكفار حين سمعوا أن لها شفاعة : إلى هذا يذهب مقاتل (٢) وغيره ، لكنه ليس كذا ، وغير هذا كأنه أولى به وأقرب ، وهو أن قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ) ، أي : إذا ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم توحيد الله وألوهيته ، أو ذكر هذا أهل التوحيد وهذا الألوهية (٣) ممن عبدوا دونه (اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) ، أي : نفرت وأنكرت ؛ كقولهم : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) [ص : ٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) : وإذا ذكر أهل الكفر الذين عبدوا من دونه عبادتهم إياها وخلوتهم بها إذا هم يفرحون ويستبشرون ، والله أعلم.
وقوله : (اشْمَأَزَّتْ) ، قال بعضهم (٤) : أبغضت ونفرت.
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (١١ / ١١).
(٢) وهو قول مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٠١٦٧).
(٣) كذا في أ.
(٤) قاله ابن عباس أخرجه ابن مردويه كما في الدر المنثور (٥ / ٦١٨).