يَوْمَ الْقِيامَةِ).
كأنه ـ والله أعلم ـ يذكر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ليصبره على أذاهم إياه ، وأن يشفق عليهم بما ينزل بهم في الآخرة ؛ لأنه أخبر عن عظيم ما ينزل بهم : أنهم مع بخلهم وضنهم بهذه الدنيا لو كان ما في الأرض من الأموال ، وضعف ذلك أيضا لهم ، لافتدوا بذلك كله من سوء ما ينزل بهم من العذاب ، وكذلك ما ذكر من قوله : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) يخبر عن سوء معاملتهم ربهم ، على علم منه أنهم يؤذون رسوله صلىاللهعليهوسلم وأن ذلك يشتد عليه ويشق ؛ لينظر أنهم كيف عاملوا ربهم من سوء المعاملة ؛ ليصبر هو على سوء معاملتهم إياه ولا يترك الرحمة والشفقة عليهم بما ينزل بهم في الآخرة من سوء العذاب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ).
قال بعض أهل التأويل : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ) : من شهادة الجوارح عليهم والنطق ما لم يكونوا يحتسبون ذلك ، ولكن غير هذا كأنه أقرب : بدا لهم من الهوان والعذاب لهم في الآخرة ما لم يكونوا يحتسبون.
ثم هو يخرج على وجهين :
أحدهما : أنهم كانوا يقولون : حيث فضلنا الله في هذه الدنيا بفضول الأموال والكرامة ؛ فعلى ذلك نكون في الآخرة مفضلين عليهم كما كنا في الدنيا ؛ ولذلك قالوا : (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [الشعراء : ١١١] ، وقولهم : (إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) [هود : ٢٧] ونحوه ؛ فبدا لهم وظهر في الآخرة ما لم يكونوا يحتسبون ما ذكرنا من الهوان لهم والعذاب.
والثاني : كانوا ينكرون رسالة نبينا صلىاللهعليهوسلم ويقولون : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) ، وقالوا : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا ...) الآية [ص : ٨] ، ونحو ذلك من الكلام ؛ كقولهم ـ أيضا ـ : (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الأحقاف : ١١] : لا يرون الرسالة توضع إلا في العظيم من أمر الدنيا ؛ فأخبر أنه يبدو لهم ما [لم] يكونوا يحتسبون ؛ لما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا).
يحتمل قوله : (بَدا) ، أي : ظهر لهم جميع ما صنعوا في الدنيا في الآخرة ؛ حتى حفظوا وذكروا ذلك كله.
والثاني : بدا لهم ما حسبوا حسنات سيئات ، والله أعلم.
أو أن يكون ذلك في الجزاء ، أي : بدا لهم وظهر جزاء ما كسبوا ؛ يدل على ذلك