وأكثر القراءات على التذكير في قوله ـ عزوجل ـ : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي ...) إلى آخره : على إرادة المخاطبة ، وقد يقرأ بالتأنيث ؛ على إرادة النفس التي تقدم ذكرها والخبر عنها ، ويروى في ذلك خبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قرأ بالتأنيث : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ).
كذبهم على الله يحتمل وجوها :
أحدها : في التوحيد ؛ حيث قالوا بالولد والشركاء.
ويحتمل ما قال ـ عزوجل ـ : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨] وكان الله ـ عزوجل ـ لم يأمرهم بذلك ، فكذبوا على الله ـ عزوجل ـ أنه أمرهم بذلك.
أو ما قالوا : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ، و (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣].
أو أن يكون كذبهم على الله هو إنكارهم البعث ، وقولهم : إن الله لا يقدر على البعث والإحياء بعد الموت ، ونحو ذلك ، والله أعلم.
والمعتزلة يقولون في قوله ـ عزوجل ـ : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) : هم المجبرة. فيجيء أن يكونوا هم أقرب في كونهم في وعيد هذه الآية من المجبرة ؛ لأنهم يقولون : إن الله لا يأمر أحدا بشيء إلا بعد أن أعطى جميع ما يعمل ويقتضي به ؛ حتى لا يبقى عنده شيء من ذلك ، ثم قال ذلك ، ثم يسأل ربه المعونة والعصمة ؛ فهو بالسؤال كاتم لما أعطاه ، وهو كفران النعمة ؛ لأنه يسأل ما قد أعطاه ربه ، أو أن يكون هازئا به ؛ لأنه يسأل وليس عنده ما يسأل على قولهم على ما ذكرنا من مذهبهم ، وكل من يسأل [من] يعلم أنه ليس عنده ذلك ولا يملك ذلك ـ فهو يهزأ به ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ).
على توحيد الله ، أو متكبرين على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والمتكبر هو الذي لا يرى لنفسه نظيرا ولا شكلا ؛ ولذلك يوصف الله ـ عزوجل ـ بالكبرياء ؛ لأنه لا نظير له ولا شكل ، ولا يجوز لغيره ؛ لأن غيره ذا أشكال وأمثال ، ولا قوة إلا بالله.
وفي حرف ابن مسعود وحفصة ـ رضي الله عنهما ـ : على ما فرطت من ذكر.
وفي حرف ابن مسعود أيضا في قوله : بلى قد جاءته آياتنا من قبل فكذب واستكبر وكان من الكافرين ، والله أعلم.