الله للهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه ، ولكن حيث علم منّا : اختيار الضلال والغواية ، وترك الرغبة إلى الهدى والاستخفاف به ـ أضلنا وخذلنا ولم يوفقنا.
والمعتزلة يقولون : بل هداهم الله وأعطاهم التوفيق ، لكنهم لم يهتدوا.
فإن قيل : هذا قول أهل الكفر ؛ فلا دلالة فيه لما تذكرون.
قيل : وإن كان ذلك قول الكفرة ، فذلك القول منهم عند معاينة العذاب ؛ فلو كان على خلاف ما ذكروا لكان الله يكذبهم في ذلك ؛ كما كذبهم في أشياء قالوها ؛ حيث قالوا : (فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً) [السجدة : ١٢] ؛ فقال الله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨] ، ونحوه ، والله أعلم.
والأصل في الهداية : أن عند الله لطفا : من أعطى ذلك اهتدى ، وهو التوفيق والعصمة ، ومن حرم ذلك ولم يعطه ، ضل وغوى ، ويكون استيجاب العذاب وما ذكر ؛ لتركه الرغبة في ذلك ، والاستخفاف به ، وتضييعه واشتغاله بضده ؛ لذلك كان ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) : الشرك أو المهالك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً).
أي : رجوعا.
(فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
قيل (١) : من الموحدين.
ويحتمل كل إحسان وطاعة ، والله أعلم.
وقد كذبه ـ عزوجل ـ في قوله هذا ؛ حيث قال : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨] ، ثم كذبهم في قولهم : (لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ، وفي قولهم : (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ؛ حيث قال الله ـ عزوجل ـ : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ).
يقول ـ والله أعلم ـ : بلى قد جاءتك آياتي ، وبينت لك الهداية من الغواية ، وسبيل الحق من الباطل ، والخير من الشر ، والكذب من الصدق ، ومكنت من اختيار الهداية على الغواية ، ومكن لهم اختيار الحق على الباطل والصدق على الكذب ، لكن تركتم ذلك ، وضيعتم واستخففتم به ، واشتغلتم بضد ذلك ؛ فإنما جاء ذلك التضييع من قبلكم لا من قبل الله ـ عزوجل ـ قد أتى بالحجج والآيات والبيان في ذلك غاية ما يجب أن يؤتى ما لم يكن لأحد عذر في الجهل في ذلك والترك ، والله أعلم.
__________________
(١) انظر : تفسير البغوي (٤ / ٨٥).