بكم في وقت لا تشعرون أنتم به ، ولا تقدرون أن ترجعوا إليه وتنيبوا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ).
هذا وما بعده من الآيات كأنه موصول بقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) من قبل (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ...) الآية.
وقبل أن تقول : (لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ، وقبل أن تقول (حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ، كأن كل ذلك صلة ما تقدم من قوله : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) ، (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) من قبل أن يقول ما ذكر ، في وقت لا ينفعه ذلك القول ولا يغنيه من عذاب الله ، ولا يدفعه.
ثم قوله : (عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ).
قال بعضهم (١) : في ذات الله.
وقال بعضهم (٢) : ما فرطت وضيعت من أمر الله ، وأمثال ذلك ، ولسنا نحتاج إلى تفسير قول ذلك الرجل الذي كان منه حتى قال ذلك ، وهو تضييع توحيد الله أو تضييع حد الله ، أو ما كان فيه من تكذيب البعث ؛ يتأسف على ما كان منه من تضييع ما ذكرنا : من توحيد الله وحدوده ، أو كفران نعمه ، أو إنكاره ما ذكرنا من البعث ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) :
قال بعضهم : (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) : من القرآن.
وقال بعضهم : من أهل توحيد الله.
قال قتادة : لم يكتف أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر من أهل طاعته ، وقال : هذا قول صنف منهم (٣).
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ ...) إلى آخره.
قول صنف منهم جائز ما قال : إن كل قول من ذلك قول صنف ، على ما قال قتادة.
وجائز أن يكون كل ذلك من كل كافر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
ذلك الكافر الذي قال هذا القول أعرف بهداية الله من المعتزلة ، وكذلك ما قال أولئك الكفرة لأتباعهم ؛ حيث قالوا : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) [إبراهيم : ٢١] يقولون : لو وفقنا
__________________
(١) انظر : تفسير البغوي (٤ / ٨٥).
(٢) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٠١٩٥ ، ٣٠١٩٦) وهو قول السدي أيضا.
(٣) أخرجه ابن جرير (٣٠١٩٨) ، وعبد بن حميد كما في الدر المنثور (٥ / ٦٢٤).