قيل (١) : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) ، أي : ارجعوا إلى ما أمركم ربكم ، (وَأَسْلِمُوا لَهُ) ، أي : أخلصوا له التوحيد ، أو أن يقول : اجعلوا كل شيء منكم له.
وأصل الإنابة : هو الرجوع إلى طاعة الله والنزوع عما كان عليه لأمر الله ، يقول ـ عزوجل ـ : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ ...) الآية [الروم : ٣١]. وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) يقول ـ والله أعلم ـ على الصلة بالأول : أن أنيبوا له وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ؛ فلا يقبل منكم الإنابة والتوبة ؛ إذ أقبل عليكم العذاب.
(ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : ثم لا تنصرون بإنابتكم إلى الله ـ عزوجل ـ في ذلك الوقت الذي أقبل عليكم العذاب [فيه] ، على ما ذكرنا ، أي : لا تخافون من ذلك الوقت.
والثاني : لا تنصرون بعبادة من عبدتموه من الأصنام والأوثان ؛ على رجاء أن يشفع لكم ويدفع عنكم العذاب.
أي : أنيبوا إلى عبادة الله الحق قبل نزول العذاب بكم ؛ فإنكم إن كنتم على عبادة من تعبدون دونه لا تنصرون ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ).
يحتمل وجوها :
أحدها : كأنه يقول : اتبعوا ما أمركم ربكم ، وانتهوا عما نهاكم ربكم عنه.
والثاني : اتبعوا ما في القرآن وأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه واجتنبوه ، يقول : اعملوا به وبادروا في العمل به من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة.
والثالث : أن الله ـ عزوجل ـ قد بين السبيلين جميعا : سبيل الخير والشر على الإبلاغ ؛ فيقول : اتبعوا سبيل الخير منه ، ولا تتبعوا سبيل الشر ؛ فيكون تأويل هذا كأنه يقول : اتبعوا الحسن منه ، ولا تتبعوا غيره ، ونحو ذلك ، وقد ذكرناه فيما تقدم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ).
كأنه موصول بالأول ، يقول : لا يؤخرون الإنابة إليه والتوبة ، فإن العذاب لعله سينزل
__________________
(١) انظر : تفسير البغوي (٤ / ٨٥).