أو يقول : ألا تتقون عبادة غير الله ، وطاعة من دونه.
وقوله : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) : هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : أي : كنت أمينا فيكم قبل هذا ، فتصدقونني في جميع ما أخبرتكم وأنبأتكم ، فما بالكم لا تصدقونني الآن إذا أخبرتكم أني رسول الله إليكم؟!
والثاني : يقول : إني لكم رسول أمين ، ائتمنني الله وجعلني أمينا على وحيه ، فأبلغكم الرسالة وأؤدّي الأمانة شئتم أو أبيتم ، قبلتم أو لم تقبلوا ، فلا أخافكم ما توعدونني بعد أن جعلني الله أمينا وائتمنني على أمانته ؛ كقوله : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ).
وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أي : اتقوا نقمة الله وعذابه ، أو اتقوا مخالفة الله في أمره ونهيه ، وأطيعون فيما أبلغكم عن الله وأدعوكم إليه.
(وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) أي : لا أسألكم على ما أدعوكم إليه وأبلغكم أجرا وشيئا يمنعكم ثقل ذلك عن الإجابة ، ولا أحملكم في أموالكم وأنفسكم مئونة فيما أدعوكم إليه ، بل أدعوكم إلى عبادة الواحد ، وعبادة الواحد أهون وأخف على أنفسكم من عبادة العدد ، ولا أحملكم في أموالكم وأنفسكم مئونة فيما أدعوكم إليه من عبادة العدد ، ولا أحملكم ـ أيضا ـ مئونة يمنعكم ذلك عن إجابتي.
(إِنْ أَجْرِيَ) أي : ما أجري.
(إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ فَاتَّقُوا اللهَ) ما ذكرنا ، أي : اتقوا نقمة الله وعذابه ، واتقوا مخالفة الله في أمره ونهيه ، وأطيعوني فيما أدعوكم إليه.
وقوله : (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) : يقولون : نصدّقك وإنما اتبعك الضعفاء منا والسفلة ممن لا رأي لهم ولا تدبير ، ولو كنت صادقا لاتبعك الأشراف والرؤساء ، فكان في اتباع الأراذل له ومن ذكروا أعظم آية من الرسالة من اتباع الأشراف ، وذلك أن الأراذل من الناس هم أتباع لغيرهم ؛ لما يأملون من فضل مال ونيل منهم ، أو رئاسة ومنزلة تكون لهم ، أو لفضل بصر وحظ وعلم في الدين ؛ فيصيرون أتباعا لمن كان عنده من هذه الخصال شيء ، فالرسل ـ صلوات الله عليهم ـ حيث لم يكن عندهم أموال ولا طمع رئاسة ولا منزلة اتبعهم الضعفاء والسفلة ، مع خوف لهم على أنفسهم من أولئك الأشراف من القتل والصلب لمخالفتهم إياهم ، فما اتبعوهم إلا لما تبين عندهم أنهم على حق ، وأن ما يدعون صدق ، ففي اتباع من ذكرنا أعظم دلالة على صدق الرسل فيما ادعوا من الرسالة لو تأملوا التفكر في ذلك.
وقول نوح : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) يحتمل وجهين :