فإذا كان المعدوم شيئا ـ على قولهم ـ كما شيئية الأشياء لم تزل كائنة.
ويقولون : إنه لم يكن من الله إلا إيجادها ، فإذا كان ما ذكروا لم يكن هو خالق شيء به ؛ فضلا عن أن يكون خالق كل شيء ـ على ما ذكر ـ ووصف نفسه بخلق كل شيء ، فيكون كل شيء قولهم في التحقيق والتحصيل قول الدهرية والثنوية ؛ لأن الدهرية يقولون بقدم الطينة ، والهيولى ، ونحوه ، وينكرون كون الشيء من لا شيء. وكذلك الثنوية يقولون بقدم النور والظلمة ، ثم كون كل جنس من جنسه ، وكون كل شيء من أصله.
فعلى ذلك قول المعتزلة : إن المعدوم شيء يرجع في التحقيق إلى ما ذكرنا من أقاويلهما.
ثم قوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) يخرج على ذكر الربوبية ، والألوهية ، والوصف له بالمدح ؛ لما ذكرنا أن إضافة كلية الأشياء إلى الله ـ عزوجل ـ تخرج مخرج الوصف له بالتعظيم والإجلال له ، وإضافة الأشياء المخصوصة إليه تخرج مخرج التعظيم للمضافة إليه.
وإذا كان ما ذكر ما كان قوله ـ عزوجل ـ : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) مخصصا شيئا دون شيء ـ على ما يقوله المعتزلة ـ لم يخرج مخرج الوصف له بالربوبية والألوهية ، ولا خرج مخرج المدح له والتعظيم ، ثم إنه لا شك أنه لو لم يكن خالقا لأفعال الخلق لم يكن خالقا من عشرة ألف شيء (١) ، فدل أنه خالق الأشياء كلها للأفعال والأجسام والجواهر جميعا.
فإن قيل : إنكم لا تقولون : خالق الأنجاس والأقذار والخنازير ونحوه ، فإنما يرجع قوله ـ عزوجل ـ : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) إلى خصوص.
قيل : إنه لا يقال ولا يوصف بخلق هذه الأشياء على التقييد والتخصيص : يا خالق الأنجاس والأقذار وما ذكر ؛ لأنه يخرج الوصف له بذلك مخرج الهجاء والذم ، وكان في الجملة يوصف بذلك ، ويدخل الأشياء كلها في ذلك ؛ لما ذكرنا أن قوله ـ عزوجل ـ : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) يخرج مخرج الامتداح والتعظيم له ، والوصف بالربوبية له والألوهية ؛ ألا ترى أنه لا يقال ـ على التخصيص ـ : إنه وكيل ؛ وإن كان في الجملة يقال ـ كما ذكرنا ـ : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) ؛ لأنه في الجملة يخرج مخرج الربوبية له والألوهية ، والوصف له بالمدح ، وعلى التخصيص والإفراد ، [يخرج] على الهجاء والذم ؛ لذلك افترقا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
كأنه يقول : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
__________________
(١) كذا في أ.